عقيدة أوباما: السياسة الخارجية والشرق الأوسط والربيع العربي



ليون بانيتا (إلى اليسار) يحضر مؤتمرًا صحفيًا بشأن الاستراتيجية العسكرية في يناير 2012. انتقد بانيتا، الذي كان حينها وزير دفاع أوباما، فشل الرئيس في تطبيق الخط الأحمر في سوريا. (أحراز إن قنبري/ أسوشيتد برس).
مقدمة المترجم: مع حلول الأشهر الأخيرة للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، داخل البيت الأبيض، بعد فترتين رئاسيتين، تأخذنا هذه المقابلة المطوّلة التي أجراها معه الصحفي بمجلة "ذي أتلانتك"، جيفري جولدبيرج، إلى رحلة مشوقة خلف كواليس ثمان سنواتٍ من حكم أقوى دولة في العالم، فضّلت تقسيم المقابلة إلى أجزاء حسب القضايا التي تطرقت إليها المقابلة وبعد الجزء الأول، ننتقل إلى الجزء الثاني، المتعلق بكيفية رؤية أوباما للعالم والسياسة الخارجية الأمريكية والشرق الأوسط وأحداث الربيع العربي وما تلاها، إلى نص المقابلة:

كان هدفي خلال محادثاتنا الأخيرة أن أرى العالم من خلال منظور أوباما، وأن أفهم تصوره عما يفترض أن يكون عليه الدور الأمريكي في العالم. يستند هذا المقال على محادثاتنا الأخيرة، التي جرت في المكتب البيضاوي؛ على الغداء في غرفة الطعام؛ على متن الطائرة الرئاسية؛ وفي كوالالمبور أثناء زيارته الأخيرة إلى آسيا في نوفمبر. ويستند أيضًا على مقابلاتي السابقة معه، خطاباته، وتأملاته العامة الغزيرة، بالإضافة إلى محادثات مع كبار مستشاريه للسياسات الخارجية والأمن القومي، القادة الأجانب وسفرائهم في واشنطن، أصدقاء الرئيس وآخرين تحدثوا معه بشأن سياساته وقراراته، وخصومه ونقاده.

خلال محادثاتنا، عرفت أوباما كرئيس أصبح أكثر تشاؤمًا باطراد بشأن القيود على قدرة أمريكا على توجيه الأحداث العالمية، حتى مع مراكمته، في فترة متأخرة من رئاسته، لمجموعة من انجازات السياسة الخارجية التي قد ترقى للوصف بالتاريخية – وهي إنجازات بالتأكيد مثيرة للجدل ومشروطة، ولكنها تظل مع ذلك إنجازات؛ كالانفتاح على كوبا، اتفاقية باريس لتغير المناخ، الاتفاق التجاري للشراكة عبر المحيط الهادئ، وبالتأكيد، الاتفاق النووي الإيراني.

حقق أوباما تلك الإنجازات رغم شعوره المتنامي بأن هناك قوى أكبر تتآمر كثيرًا ضد أفضل النوايا الأمريكية؛ مثل التيار المضاد النابع عن الشعور القبلي، في عالم يفترض أنه تخلص بالفعل من التأسل القبلي؛ مرونة الرجال الصغار الذين يحكمون دولًا بطرق تعاكس مصالحها العليا؛ واستمرار الخوف كشعور إنساني مسيطر. ولكنه أخبرني أيضًا أنه قد توصل إلى إدراك أن القليل فقط يتم إنجازه في الشؤون الدولية دون القيادة الأمريكية.

حدثني أوباما عن هذا التناقض الواضح. حيث قال: "أريد رئيسًا لديه الشعور بأنك لا يمكنه إصلاح كل شيء". ولكن على الجانب الآخر، "إن لم نرسم خططًا، لن يتحقق أي شيء". ثم أوضح ما قصده، "الحقيقة هي أنه ليس هناك أي قمة حضرتها منذ أن أصبحت رئيسًا لم نرسم فيها خططًا، أو لم نكن مسؤولين عن النتائج الرئيسية"، وتابع: "وذلك حقيقي سواء كنت تتحدث عن الأمن النووي، إنقاذ النظام المالي العالمي، أو حتى عن المناخ".

ذات يوم أثناء تناول الغداء بالمكتب البيضاوي، سألت الرئيس كيف يعتقد أن المؤرخين سيفهمون سياسته الخارجية. فبدأ بوصف شبكة مكونة من أربعة مربعات تمثل المدارس الرئيسية لفكر السياسة الخارجية الأمريكية. أسمى أحد المربعات بالانعزالية، ورفضه جملة وتفصيلًا. لأن "العالم يضيق أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن الدفاع عن الانسحاب". بينما سمى المربعات الأخرى: الواقعية، التدخلية الليبرالية، والعالمية. وقال: "أفترض أنك قد تصفني بالواقعي لاعتقادي بأننا لا نستطيع، تحت أي ظروف، أن نقضي على جميع مآسي العالم. بل يجب أن نختار الموضع الذي يمكننا إحداث تأثير حقيقي به". كما أشار إلى كونه مائلًا، بشكل واضح للغاية، إلى العالمية، حيث يكرس جهوده لتعزيز المنظمات متعددة الأطراف والمعايير الدولية.

أخبرته أن انطباعي كان أن الصدمات المختلفة على مر الأعوام السبعة الماضية قد عززت التزامه القوي بالتحفظ القائم على الواقعية. فهل نفرته فترتاه الرئاسيتان في البيت الأبيض من التدخل؟

أجاب: "رغم جميع الندوب على جبهتنا، كانت الولايات المتحدة بوضوح قوة خيّرة في العالم. إن قارنتنا بالقوى العظمى السابقة، تجد أننا نتصرف بشكل أقل على أساس المصلحة الفردية المجردة، ونتطلع إلى ترسيخ عادات تفيد الجميع. ذلك إن كان فعل الخير ممكنًا مقابل ثمن يمكن احتماله، من أجل إنقاذ الأرواح، فسنفعله".

إن لم تحقق أزمة، أو كارثة إنسانية، المعايير الصارمة لما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، حسبما يرى أوباما، فلا يعتقد أنه يجب إجباره على السكوت بشأنها. وهو ليس واقعيًا لدرجة عدم إصداره الأحكام على القادة الآخرين.

ومع ذلك فإنه استبعد حتى الآن استخدام القوة الأمريكية المباشرة للإطاحة بالأسد، بل يرى أنه لم يخطأ عندما دعى الأسد إلى الرحيل. "يحدث كثيرًا عندما تستمع إلى منتقدي سياستنا في سوريا أن تجدهم يقولون "لقد دعوت الأسد للرحيل، ولكنك لم تجبره على ذلك. ولم تغزو سوريا". تقوم حجتهم على أنك إن لم تكن تعتزم الإطاحة بالنظام، فلا يجب أن تبدي موقفًا تجاهه. وتعد تلك الحجة غريبة بالنسبة لي، فكرة أننا إن استخدمنا سلطتنا الأخلاقية لنقول "إنه نظام وحشي، وتلك ليست الطريقة التي يفترض أن يعامل قائد بها شعبه"، نصبح عندها ملزمين بغزو البلاد وتنصيب الحكومة التي نفضلها".
أخبرني أوباما في محادثة لاحقة: "أعتبر نفسي متبنيًا للعالمية إلى حد كبير، كما أؤمن بالمثالية إلى حد ما لاعتقادي بأنه يتوجب علينا تعزيز القيم، كالديمقراطية وحقوق الإنسان والمبادئ، ليس فقط لأن الأمر يصب في مصلحتنا أن يتبنى المزيد من الأشخاص القيم التي نتشاركها – وعلى الصعيد الاقتصادي، إن تبنى شعب سيادة القانون وحقوق الملكية وما إلى ذلك، صب ذلك في مصلحتنا – بل ويجعل ذلك العالم مكانًا أفضل. وأنا مستعد لقول ذلك بطريقة مبتذلة جدًا، بطريقة لن يقولها برينت سكوكروفت على الأرجح.

وتابع: "أما وقد قلت ذلك، فإنني أعتقد أيضًا أن العالم مكان قاس، فوضوي ومنحط، وملئ بالصعوبات والمآسي. وفي سبيل تعزيز مصالحنا الأمنية والمثل العليا والقيم التي نهتم بشأنها، يتعين علينا أن نجمع بين الشدة واللين، وأن ننتقي مواقعنا، وأن ندرك أننا سنمر بمراحل يكون أفضل ما يمكن فعله فيها هو تسليط الضوء على إحدى الفظائع، دون الاعتقاد بأننا نستطيع تلقائيًا حلها. كما ستحل فترات تتعارض فيها مصالحنا الأمنية مع مخاوفنا بشأن حقوق الإنسان. ستأتي أوقات نتمكن فيها من فعل شيء حيال الأبرياء الذين يتعرضون للقتل، ولكن ستمر أوقات أخرى لن نستطيع بها مساعدتهم".
إن كان أوباما قد تسائل مسبقًا عما إذا كانت أمريكا بالفعل هي الدولة الوحيدة التي لا غنى عنها بالعالم، فإنه لم يعد يتسائل. ولكنه رئيسٌ نادر، يبدو أحيانًا مستاءً من حيوية الدور الأمريكي، بدلًا من تعزيزه. إذ أخبرني مؤخرًا أن: "المستغلون يغضبونني"، وقد حذر أوباما مؤخرًا من أن بريطانيا العظمى لن تكون قادرة على المطالبة بـ"علاقة خاصة" مع الولايات المتحدة إن لم تلتزم بإنفاق 2 بالمئة على الأقل من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع. حيث قال لديفيد كاميرون، "يجب أن تدفع حصتك العادلة"، والذي التزم بالدفع لاحقًا.

أوضح أوباما أن جزءً من مهمته كرئيس هو حث الدول الأخرى على التصرف بنفسها، بدلًا من انتظار الولايات المتحدة لتتخذ المبادرة. كما يعتقد أن الدفاع عن النظام العالمي الليبرالي في مواجهة الإرهاب الجهادي، المغامراتية الروسية، والتسلط الصيني يعتمد جزئيًا على مدى استعداد الدول الأخرى لتتشارك العبء مع الولايات المتحدة. لذلك أقلقه الجدل المحيط – الصادر عن مسؤول مجهول بالإدارة لمجلة "نيويوركر" أثناء الأزمة الليبية عام 2011 – حول أن سياسته قامت على "القيادة من الخلف". إذ أخبرني الرئيس: "لا يتوجب دائمًا أن نكون في المقدمة. بل في بعض الأحيان سنحقق ما نسعى إليه بدقة لأننا نتشارك التخطيط. ولكن المفارقة تكمن في أن تلك السياسة هدفت تحديدًا إلى منع الأوروبيين والدول العربية من تركنا نحارب وحدنا، ومع ذلك، نفذنا نحن جميع الأعمال العسكرية هناك، التي أصررنا عمدًا" على أن يقودوها هم أثناء مهمة الإطاحة بمعمر القذافي. "كان ذلك جزءً من الحملة المضادة لاستغلالنا من قبلهم".

يبدو الرئيس أيضًا معتقدًا أن تشارك القيادة مع الدول الأخرى يعد وسيلة لمراجعة الدوافع الأمريكية الأكثر عندًا. حيث أوضح: "أحد أسباب تركيزي بشدة على العمل متعدد الأطراف، حين لا تكون مصالحنا المباشرة على المحك، هو أن التعددية تحجّم الغطرسة". ويذكر أوباما باستمرار ما يعتبرها إخفاقات سابقة لأمريكا في الخارج كوسيلة لمراجعة الاعتداد الأمريكي بالذات. وأضاف: "لدينا تاريخ في إيران، أندونيسيا، وأمريكا الوسطى. لذلك يجب أن نضع تاريخنا في الاعتبار حين نتحدث عن التدخل، وأن نتفهم مصدر شكوك الآخرين".

أوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو في قمة الأمريكتين خلال الربيع الماضي (بيت سوزا/البيت الأبيض)
ضمن جهوده لنقل بعض مسؤوليات السياسة الخارجية الأمريكية إلى الحلفاء، يبدو أوباما متبعًا لسياسة الخندقة الكلاسيكية، على طريقة دوايت أيزنهاور وريتشارد نيكسون. ويقصد بهذه السياسة في هذا السياق "التراجع، خفض الإنفاق، تقليل المخاطر، وتحويل الأعباء إلى الحلفاء"، حسبما أوضح لي ستيفان سيستانوفيتش، خبير السياسة الخارجية الرئاسية بمجلس العلاقات الخارجية. وأضاف: "إن حدث أن انتخب جون ماكين عام 2008، كنا سنظل نتمتع بدرجة ما من الخندقة الآن، إنه ما تريده البلاد. إن وصلت إلى الرئاسة في منتصف حرب لا تسير على ما يرام، تكون مقتنعًا بأن الشعب الأمريكي قد عيّنك لتقلل الأعباء". ويرى سيستانوفيتش أن هناك فارقًا وحيدًا بين أيزنهاور ونيكسون من ناحية، وأوباما من الناحية الأخرى، وهو أن أوباما "يبدو ملتزمًا على الصعيد الشخصي والفكري بفكرة أن السياسية الخارجية قد استهلكت الكثير من انتباه وموارد الدولة".

سألت أوباما بشأن الخندقة. فأجاب: "جميع القوى العظمى تقريبًا استسلمت" للتوسع المفرط. وأضاف: "ما أظن أنه ليس ذكيًا هو فكرة أنه في كل مرة تحدث مشكلة نرسل جيشنا ليفرض النظام. فببساطة، لا يمكننا فعل ذلك".

ولكن بمجرد إدراكه أن تحديًا محددًا يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، أظهر أوباما استعدادًا للتصرف بشكل منفرد. ويعد ذلك أحد أكبر التناقضات في عهد أوباما؛ فقد تشكك دون كلل في مدى فاعلية القوة، ولكنه أصبح أيضًا أنجح صائد للإرهابيين في تاريخ الرئاسة، ويسلم لخليفته مجموعة من الأدوات يحسده عليها أي قاتل بارع.

ويعلق بن رودس: "يطبق أوباما معايير مختلفة لقياس التهديدات المباشرة للولايات المتحدة. على سبيل المثال، رغم شكوكه بشأن سوريا، لم تساوره أي شكوك بشأن استخدام الطائرات بلا طيار. يقول بعض الناقدين إنه كان يتعين عليه أن يفكر مجددًا بشأن ما يعتبرونه استخدمًا مفرطًا للطائرات بلا طيار. ولكن جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد أوباما، أبلغني مؤخرًا أنه والرئيس "لديهما آراء متشابهة. أحد تلك الآراء أنه أحيانًا قد تضطر للتضحية بحياةٍ لتنقذ حيوات أخرى. لدينا وجهة نظر مماثلة تجاه نظرية الحرب العادلة. حيث يشترط الرئيس شبه التيقن من عدم التسبب في أي أضرار ثانوية، لكن إن اعتقد أن التصرف ضروري، فلن يتردد في تنفيذه".

من يتحدثون مع أوباما بشأن الفكر الجهادي يقولون أنه يمتك فهمًا لا تشوبه أي أوهام للقوى التي تحفز العنف الوحشي وسط المسلمين الراديكاليين، ولكنه كان حذرًا من إيضاحه بشكل علني، خوفًا من أن ذلك سيفاقم رهاب الأجانب المعادي للمسلمين. كما أن لديه فهم متسم بالواقعية المأساوية للخطيئة، الجبن، والفساد، وتقديرًا "هوبزيًا" (نسبة لتوماس هوبز) لكيفية تشكيل الخوف للسلوك الإنساني. ومع ذلك فإنه يؤكد باستمرار في تصريحاته، بصدق واضح، على ميل العالم نحو العدل. إنه متفائل بشكل ما على طريقة هوبز.

لا تتوقف التناقضات عند ذلك. فرغم أنه معروف بتوخي الحذر، كان حريصًا أيضًا على التشكك في بعض الافتراضات القديمة التي تقوي فكر السياسة الخارجية الأمريكية التقليدي. وهو مستعد إلى درجة كبيرة للتشكيك في سبب كون أعداء أمريكا أعدائها، أو كون بعض أصدقائها أصدقائها. لقد ألقى بنصف قرن من التوافق بين الحزبين وراء ظهره ليعيد تأسيس العلاقات مع كوبا.
كما تساءل لماذا يتعين على الولايات المتحدة تجنب إرسال قواتها إلى باكستان لقتل قادة القاعدة، وتساءل بشكل خاص لماذا ينبغي على باكستان، التي يرى أنها دولة مختلة وظيفيًا لدرجة كارثية، أن تعتبر حليفة للولايات المتحدة من الأساس، وبحسب ليون بانيتا، تسائل حول سبب وجوب حفاظ الولايات المتحدة على ما يطلق عليه "التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل، الذي يتيح لها الوصول إلى أنظمة تسليحٍ أكثر تقدمًا من نظيراتها لدى الحلفاء العرب لأمريكا؛ ولكنه تسائل أيضًا، وبشكل قاسي عادة، حول دور الحلفاء العرب السنة في إثارة الإرهاب المعادي لأمريكا. فهو منزعج بشكل واضح من أن عقيدة السياسة الخارجية تجبره على معاملة المملكة السعودية كحليفة.

بالتأكيد قرر أوباما في وقت مبكر، في مواجهة الانتقادات الكبيرة، أنه يريد التواصل مع الخصمة الأمريكية الشرق أوسطية الأكثر حماسة، إيران. يثبت الاتفاق النووي الذي عقده مع إيران، على أقل تقدير، أن أوباما ليس متجنبًا للمخاطر. لقد وضع الأمن العالمي وإرثه الرئاسي على المحك برهانه على أن إحدى الدول الرائدة الراعية للإرهاب ستذعن لاتفاق لتقييد برنامجها النووي.

من المفترض، على الأقل بين منتقديه، أن أوباما قد سعى للتوصل للاتفاق الإيراني لأنه لديه رؤية مبنية على التقارب التاريخي الأمريكي الفارسي. ولكن تطلعه إلى الاتفاق النووي تولد من رحم التشاؤم، بقدر ما تولد من رحم التفاؤل. فقد أخبرتني سوزان رايس: "لم يتعلق الاتفاق الإيراني أبدًا بشكل رئيسي بمحاولة بدء حقبة جديدة من العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، بل كان أمرًا أكثر براجماتية واعتدالًا بكثير. كان الهدف ببساطة جعل دولة خطيرة أقل خطرًا بشكل حقيقي. حيث لم يتوقع أحد أن إيران قد تصبح أقل خطرًا".

ذكرت لأوباما ذات مرة مشهدًا من فيلم The Godfather الجزء الثالث، حين تذمر مايكل كورليوني بغضب بشأن فشله في الهروب من قبضة الجريمة المنظمة. وأخبرته أن الشرق الأوسط بالنسبة لرئاسته يشبه المافيا بالنسبة لكورليوني، ثم اقتبست عن آلباتشينو قوله: "بمجرد أن ظننت أنني قد خرجت..."، يكمل أوباما، "تجذبك مجددًا".

قصة مواجهة أوباما مع الشرق الأوسط تتبع مرحلة من خيبة الأمل. ففي موجته الأولى الممتدة من الشهرة، كمرشح رئاسي عام 2008، تحدث أوباما عادة بلهجة آملة بشأن المنطقة. ففي ذلك الصيف ببرلين ، في خطاب أمام 200,000 معجب ألماني، قال: "إنها اللحظة التي ينبغي علينا فيها المساعدة بتلبية نداء الفجر الجديد في الشرق الأوسط".

وفي العالم التالي، بعد أن أصبح رئيسًا، ألقى خطابًا في القاهرة قصد به إعادة تفعيل العلاقات الأمريكية مع مسلمي العالم. تحدث بشأن المسلمين ضمن عائلته، وسنوات طفولته في أندونيسيا، بل واعترف بخطايا أمريكا حتى مع انتقاده للبعض في العالم الإسلامي الذي شيطنوا الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن أكثر ما لفت الإنتباه كان وعده بمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي اعتقد آنذاك أنه مصدر أساسي لقلق المسلمين العرب. وقد أثار تعاطف أوباما مع الفلسطينيين مشاعر الجمهور، ولكنه عقّد علاقته ببنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي – خصوصًا لأن أوباما قرر أيضًا تجنب القدس في زيارته الرئاسية الأولى للشرق الأوسط.

عندما سألت أوباما مؤخرًا عما تطلع إلى إنجازه بخطابه في القاهرة، قال إنه كان يحاول – دون جدوى، حسبما أقر – حث المسلمين على إجراء مراجعة أكثر دقة لجذور تعاستهم.

"نصت حجتي على؛ لنتوقف جميعًا عن الادعاء بأن إسرائيل هي سبب جميع مشكلات الشرق الأوسط"، وتابع، "نريد العمل للمساعدة في إيجاد الدولة والكرامة للفلسطينيين، لكنني كنت آمل أن خطابي قد يثير النقاش، يخلق مساحة للمسلمين لمعالجة المشكلات الحقيقية التي يواجهونها – أي، مشكلات الحكم، وحقيقة أن بعض التيارات الإسلامية لم تجر أي إصلاحات تساعد الناس على تبني عقائد أكثر تكيفًا مع الحداثة. كنت اعتزم إيضاح أن الولايات المتحدة لا تقف في طريق تحقيق ذلك التقدم، وأننا سنمد يد المساعدة، بأي طريقة ممكنة، لتعزيز أهداف أجندة عربية عملية وناجحة توفر حياة أفضل للأشخاص العاديين".

كيف رأى أوباما الربيع العربي والشرق الأوسط؟

خلال الموجة الأولى للربيع العربي، عام 2011، تابع أوباما حديثه المتفائل عن مستقبل الشرق الأوسط، حيث كان أقرب ما يكون إلى تبني ما يعرف بأجندة الحرية الخاصة بجورج دبليو بوش، التي اتسمت جزئيًا بالاعتقاد بأن القيم الديمقراطية يمكن غرسها في الشرق الأوسط. وساوى بين المحتجين في تونس وميدان التحرير، والناشطة الحقوقية الأمريكية روزا باركس، و"وطنيي بوسطن".

"بعد عقود من قبول العالم على حاله في المنطقة، أمامنا فرصة للسعي وراء العالم كما يفترض أن يكون"، حسبما أوضح في خطابٍ آنذاك، وتابع: "تدعم الولايات المتحدة مجموعة من الحقوق العالمية. وتتضمن تلك الحريات حرية التعبير، حرية التجمع السلمي، حرية العقيدة، المساواة بين الرجل والمرأة في ظل سيادة القانون، وحرية اختيار القادة ... دعمنا لهذه المبادئ ليس اهتمامًا ثانويًا".

ولكن على مدار الأعوام الثلاثة التالية، مع تخلي الربيع العربي عن تطلعاته المبكرة، وطغيان الوحشية والضعف على الشرق الأوسط، نمت خيبة أمل الرئيس. وقد تعلق بعض أعمق خيبات أمله بقادة الشرق الأوسط أنفسهم. ومنهم نتنياهو، على طريقته الخاصة؛ فقد اعتقد أوباما طويلًا أن نتنياهو يستطيع تحقيق حل الدولتين، الذي سيحمي مكانة إسرائيل كديمقراطية يهودية الأغلبية، ولكن الخوف الشديد والعجز السياسي يمنعانه من ذلك.

كذلك لم يتحلى أوباما بالكثير من الصبر على نتنياهو والقادة الشرق أوسطيين الآخرين الذين تشككوا في فهمه للمنطقة. ففي أحد اجتماعات نتنياهو مع الرئيس، بدأ رئيس الوزراء إلقاء ما يشبه المحاضرة بشأن مخاطر المنطقة الوحشية التي يعيش فيها، وشعر أوباما أن نتنياهو يتصرف بطريقة متعالية، وكان أيضًا يتجنب الموضوع الأساسي للجلسة؛ مفاوضات السلام.

في النهاية، قاطع الرئيس نتنياهو قائلًا: "بيبي، يجب أن تدرك شيئًا. أنا أمريكي من أصل أفريقي وابن أم عزباء، وأنا أعيش هنا، في هذا المنزل. أعيش في البيت الأبيض. نجحت في أن أصبح رئيسًا للولايات المتحدة. تظن أنني لا أفهم ما تتحدث عنه، ولكنني أفهمه".

كذلك أحبطه قادة آخرون بشدة. ففي فترة مبكرة، اعتبر أوباما رجب الطيب أردوغان، الرئيس التركي، نوع القائد المسلم المعتدل الذي سيرأب الصدع بين الشرق والغرب – ولكن أوباما الآن يعتبره فاشلًا ومستبدًا، يرفض استخدام جيشه الضخم لتحقيق الاستقرار في سوريا. وعلى هامش قمة الناتو في ويلز عام 2014، اجتذب أوباما الملك الأردني، عبد الله الثاني، جانبًا، وأبلغه سماعه أنه قد تذمر إلى أصدقاء في الكونجرس بشأن قيادته، وأخبر الملك أنه إن كانت لديه شكاوى، فيجب أن يبلغه بها مباشرة. ولكن الملك أنكر تحدثه بالسوء عنه.

خلال الأيام الأخيرة، اعتاد الرئيس المزاح سرًا، "كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو القليل من المستبدين الأذكياء". تمتع أوباما دائمًا بولع تجاه التكنوقراطيين البراجماتيين المكتفين عاطفيًا، بحسب ما أخبر مساعديه، "فقط لو يصبح الجميع كالاسكندنافيين، لأصبح الأمر سهلًا".

أدى انهيار الربيع العربي إلى خفض تطلعات الرئيس لما يمكن تحقيقه في الشرق الأوسط، وجعله يدرك إلى أي مدى كانت الفوضى هناك تشتت عن الأولويات الأخرى. "أدرك الرئيس خلال الربيع العربي أن الشرق الأوسط كان يستهلكنا"، وفق جون برينان، الذي شغل منصب كبير مستشاري أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب خلال فترته الرئاسية الأولى.

ولكن ما اختتم رؤية أوباما التشاؤمية كان فشل تدخل إدارته في ليبيا عام 2011. فقد هدف التدخل إلى منع الدكتاتور الليبي آنذاك، معمر القذافي، من ذبح شعب بنغازي، بعد أن هدد بفعل ذلك. لم يرد أوباما الانضمام للقتال؛ ونصحه جو بايدن ووزير دفاعه في فترته الأولى، روبرت جيتس، وآخرون، بأن ينأى بنفسه. ولكن فصيلًا قويًا داخل فريقه للأمن القومي – وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وسوزان رايس، التي كانت في حينها السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، إلى جانب سامانثا باور، بن رودس، وأنطوني بلينكن، الذي كان آنذاك مستشار بايدن لشؤون الأمن القومي – ضغط بقوة لحماية بنغازي، ونجح في مسعاه. (قال بايدن، المنتقد بشدة لأحكام كلينتون في السياسة الخارجية، "تريد هيلاري فقط أن تصبح جولدا مائير"). فسقطت القنابل الأمريكية، ونجى شعب بنغازي من المذبحة المحتملة، وتم الإمساك بالقذافي وإعدامه.

ولكن أوباما يقول اليوم عن التدخل إنه "لم ينجح". ويرى أن الولايات المتحدة قد خططت للعملية الليبية بعناية – ومع ذلك، تظل الأوضاع هناك كارثية.

لماذا، في ضوء ما يبدو كتحفظ طبيعي لدى الرئيس تجاه التورط عسكريًا عندما لا يكون الأمن القومي الأمريكي على المحك بشكل مباشر، قبل بتوصية مستشاريه الأكثر نشاطًا بالتدخل؟

فرد أوباما موضحًا ما دار بذهنه حينها: "لقد انهار النظام الاجتماعي في ليبيا، هناك احتجاجات واسعة ضد القذافي، وهناك انقسامات قبلية داخل ليبيا. وتمثل بنغازي نقطة محورية بالنسبة للمعارضة. ويسيّر القذافي جيشه إلى بنغازي، فقد قال: "سنقتلهم كالجرذان"".

"والآن، يتمثل الخيار الأول في عدم فعل أي شيء، وقد قال بعض أفراد الإدارة، رغم قدر مأساوية الوضع في ليبيا، إنها ليس مشكلتنا. لكنني فكرت في احتمالية أنها ستكون مشكلتنا إن إندلعت الحرب الأهلية والفوضى العارمة في ليبيا. ولكن ذلك لا يقع تحديدًا ضمن صميم المصالح الأمريكية بشكل يبرر لنا ضرب نظام القذافي بشكل منفرد. فعند تلك المرحلة، كانت هناك دعوة للتدخل صدرت عن أوروبا وعن عدد من دول الخليج، الذين يحتقرون القذافي، أو القلقين على أساس إنساني. ولكن جرت العادة خلال العقود الأخيرة في مثل تلك الظروف على أن يدفعنا الناس للتصرف، وعند ذلك لا يظهرون أي استعدادٍ للمجازفة".

فقاطعته: "تقصد المستغلين؟"

فأكد على كلامي وتابع: "قلت عند تلك المرحلة أننا يجب أن نتصرف ضمن تحالف دولي. ولكن لأن ذلك لا يقع في صميم مصالحنا، نحتاج إلى تفويض من الأمم المتحدة؛ نحتاج إلى المشاركة الفعالة من جانب الأوروبيين ودول الخليج في التحالف؛ سنستخدم القدرات العسكرية التي نتميز بها، ولكننا نتوقع أيضًا من الآخرين أن يؤدوا الأدوار المنوطة بهم. وعملنا مع فرقنا للدفاع لضمان أننا نستطيع تنفيذ استراتيجية دون إرسال جنودٍ بريين ودون التزام عسكري طويل الأمد في ليبيا.

"فنفذنا هذه الخطة مثلما توقعت؛ حصلنا على تفويض الأمم المتحدة، بنينا التحالف، الذي كلفنا مليار دولار – ما يعد رخيصًا للغاية عندما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية. كما تجنبنا الخسائر المدنية واسعة النطاق، لقد منعنا ما كان شبه مؤكد أن يصبح نزاعًا أهليًا دمويًا ومطولًا. ورغم كل ذلك، تظل ليبيا ساحةً للفوضى".

"ساحة الفوضى" هو المصطلح الدبلوماسي الذي يستخدمه الرئيس؛ أما سرًا، فيصف ليبيا بـ"معرض الخراء"، جزئيًا لأنها أصبحت لاحقًا ملاذًا آمنًا لداعش – وهو الملاذ الذي استهدفه بالفعل بالضربات الجوية. لقد أصبحت غارقة في الفوضى، حسبما يعتقد أوباما، لأسباب لم تتعلق بعدم الكفاءة الأمريكية، بقدر ما تعلقت بسلبية حلفاء أمريكا وبالقوة العنيدة للقبلية.

يقول أوباما: "عندما استرجع الأمر واسأل نفسي عن الخطأ الذي حدث، أجد أن هناك مساحة لتوجيه الانتقادات، لأنني كان لدي المزيد من الثقة بالأوروبيين، في ضوء قرب ليبيا منهم، وأنهم سيكونون متابعين جيدين لذلك الملف"، وأشار إلى أن نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، فقد منصبه العالم التالي، وتوقف رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بعد فترة وجيزة عن الاهتمام، لأنه "مشتت بفعل مجموعة من الأمور الأخرى". وأضاف أنه بالنسبة لفرنسا، "أراد ساركوزي التباهي بالطلعات التي نفذها في الحملة الجوية، رغم حقيقة أننا هزمنا جميع الدفاعات الجوية وبنينا كامل البنية التحتية" اللازمة للتدخل.

لم ير أوباما مشكلة في ذلك النوع من التباهي لأنه سمح للولايات المتحدة بـ"شراء مشاركة فرنسا بشكل جعل الأمر أقل تكلفة وخطورة بالنسبة لنا". بعبارة أخرى، كان إعطاء فرنسا المزيد من الإشادة مقابل مخاطرة وتكلفة أقل للولايات المتحدة مقايضة مفيدة – باستثناء أنه "من منظور الكثيرين في مؤسسة السياسة الخارجية، كان ذلك مريعًا. فإن كنا سنفعل شيئًا، لابد أن نكون في الطليعة، وألا يشاركنا أحد الأضواء".

ألقى أوباما اللوم أيضًا على المعادلات الداخلية الليبية. إذ قال "كانت درجة الانقسام القبلي في ليبيا أكبر مما توقع محللونا. وانهارت سريعًا جدًا قدرتنا على تدشين أي نوع من النظام هناك يمكننا التفاعل معه وتقديم التدريب والموارد له".
أثبتت له ليبيا أنه من الأفضل تجنب الشرق الأوسط. "لا ينبغي علينا بأي حال أن نلزم أنفسنا بحكم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، حسبما قال مؤخرًا لزميل سابق بمجلس الشيوخ. "سيكون ذلك خطًأ جوهريًا".

Share this:

1 comments: