مترجَم | كيف تكون وحيدًا دون أن تشعر بالوحدة؟

"نعيش في مجتمعٍ يرى ارتفاع الاحترام للذات كدليلٍ على السعادة، لكننا لا نريد أن نكون مقربين من ذلك الشخص المرغوب فيه والمثير للإعجاب".

ماريا بوبوفا - المادة الأصلية


إن كانت احتمالات أن يجد المرء توأم روحه كئيبة جدًا على نحوٍ مخيف، وإن كان سر الحب الدائم هو إلى حدٍ كبير مسألة امتياز استثنائي، فهل يعد مفاجئً أن عددًا متزايدًا من الأشخاص يختارون أن يمضوا بمفردهم؟ اختيار الانعزال، الانزواء النشط، له علاقة ليس فقط بالرومانسية بل بكل الروابط الإنسانية – حتى إيمرسون، وهو ربما بطل الصداقة الأكثر بلاغة باللغة الإنجليزية، عاش جزءً كبيرًا من حياته في انعزالٍ نشط، وهي الحالة المحددة التي سمحت له بإنتاج يومياته ومقالاته المستمرة. ومع ذلك، فإن هذا الاختيار تعامله ثقافتنا بأذرعٍ متساوية من التخوّف والازدراء، خصوصًا في عصرنا، عصر الولع الشهواني بالاتصال. ربما يكثر الاستشهاد بالتأكيد المعروف لهيمنجواي على أن العزلة أمرٌ أساسي من أجل العمل الإبداعي لأنه راديكالي جدًا ومربكٌ في طرحه.

روت صديقةٌ مؤخرًا حكايةً توضيحية: ذات مساءٍ أثناء انسحاب قصيرٍ لها في المكسيك وحدها، ولجت مطعمًا محليًا وطلبت الجلوس. حين أدركوا أنها سوف تتناول الطعام وحدها، رافقها الندلاء إلى مؤخر المطعم بمزيجٍ من الارتباك والشفقة، حتى لا تميّع منظر الملتجأ الخادع المصمَم بعنايةٍ من الهناء المزوّج. (جدير بالذكر أن هذه الواقعة المقلقة، المتعلقة بالوصم بالعزوبة بقدر ما هي متعلقة بالفشل العميق في احترام فن أن تكون وحيدًا، يُعد مرجحًا أكثر بكثير أن تواجهها المرأة مقارنة بالرجل؛ وتعيش بعض النساء ليحكين عن الأمر).

يُقابَل الانعزال، الذي نختاره بأنفسنا، بإصدار الأحكام، ويُستعبد بالوصم. كما أنه يمثل قدرةً ضروريةً كليًا من أجل عيش حياةٍ كاملة.
تمثل تلك المفارقة ما تستكشفه الكاتبة البريطانية سارا ميتلاند في كتابها "كيف تكون وحيدًا" (How to Be Alone). فبينما تعيش في منطقة من اسكتلاندا بها واحدة من أقل الكثافات السكانية في أوروبا، حيث يقع أقرب سوبر ماركت على بعد أكثر من عشرين ميلًا، وليس هناك شبكة خلوية (فكر بذلك قليلًا)، لم تكن ميتلاند دائمًا منعزلة – فقد نشأت في أسرةٍ متماسكة كبيرة واحدةً بين ستة أطفال. ولم يكن حتى أصبحت مفتونة بفكرة الصمت، موضوع كتابها السابق، أن وصلت، بشكلٍ منحرف، إلى الانعزال. حيث تكتب ميتلاند:

"لقد فُتنت بالصمت؛ بما يحدث للروح البشرية، للهوية والشخصية عندما يتوقف الكلام، عندما تضغط على زر الإطفاء، عندما تغامر بالخروج إلى الفراغ الهائل. كنت مهتمةً بالصمت كظاهرة ثقافية مفقودة، كشيء من الجمال وكمساحةٍ استُكشفت واستُخدمت مرارًا وتكرارًا من قبل أفرادٍ مختلفين، لأسباب مختلفة وبنتائج مختلفة على نطاقٍ واسع. بدأت باستخدام حياتي الخاصة كمختبر لتجربة بعض الأفكار ولأكتشف ماهية ذلك الشعور. ما أدهشني تقريبًا هو اكتشاف أنني أحببت الصمت. لقد ناسبني. وطمعت في المزيد منه. وضمن سعيي وراء المزيد من الصمت، وجدت هذه القرية وبنيت منزلًا هنا، على أنقاض كوخ راعٍ قديم".


لكن اهتمام ميتلاند بالانعزال مختلفٌ بشكلٍ ما عن اهتمامها بالصمت – فبينما اهتمامها بالانعزال خاصٌ في منشأه، ينبع ذلك الاهتمام من قلقٍ يواجه العامة بشأن الحاجة إلى معالجة "مشكلةٍ نفسية واجتماعية خطيرة متعلقة بالانعزال"، رغبة في "تهدئة مخاوف البشر ثم مساعدتهم بشكل نشط في الاستمتاع بالوقت الذي يقضونه منعزلين". وهو ما تفعله ميتلاند، عبر طرح السؤال "الزلق" المحوري المتعلق بهذا المأزق:

"كون المرء وحيدًا في مجتمعنا الحالي يثير سؤالًا هامًا حول الهوية والسعادة.
(...)
كيف وصلنا، في عالمٍ متقدمٍ مزدهرٍ نسبيًا، على الأقل، إلى لحظةٍ ثقافية تقدّر الاستقلالية، الحرية الشخصية، الإنجاز وحقوق الإنسان، وفوق كل ذلك الفردانية، بشكلٍ غير مسبوق في تاريخ البشرية، ولكن في الوقت ذاته يعد هؤلاء الأفراد المحققون لذواتهم، الأحرار والمستقلون مرعوبين من أن يكونوا وحيدين مع أنفسهم؟
(...)
نعيش في مجتمعٍ يرى ارتفاع الاحترام للذات كدليلٍ على السعادة لكننا لا نريد أن نكون مقربين من ذلك الشخص المرغوب فيه والمثير للاعجاب.
نرى الاتفاقات الاجتماعية والأخلاقية كقيود على حرياتنا الشخصية، ومع ذلك نرتعب من أي شخصٍ يبتعد عن الحشد ويطور عاداتٍ "غريبة الأطوال".
نعتقد أن كل شخص لديه "صوت" شخصي فريد وهو، علاوة على ذلك، مبدع بلا شك، لكننا نتعامل بشكٍ قاتم (في أحسن الأحوال) مع أي شخص يستخدم أحد الأساليب الراسخة بوضوح لتطوير هذا الإبداع – الانعزال.
نظن أننا فريدون، مميزون ونستحق السعادة، لكننا مرعوبون من أن نكون وحدنا.
(...)
يفترض بنا الآن السعي وراء إنجازنا الذاتي، تتبع مشاعرنا، تحقيق الأصالة والسعادة الشخصية – لكن، على نحو غامض، ألا نفعل ذلك وحدنا.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحمل الاتهام حكمًا أخلاقيًا ومنطقًا ضعيفًا".

ما يثير الفضول، والمهم، هو أن إتقان فن الانعزال لا يجعلنا أكثر انطوائيةً بل، على العكس، يجعلنا أفضل قدرةً على التواصل. عبر كوننا أكثر ألفةً تجاه حياتنا الداخلية الخاصة – ذلك المشهد الغريب أحيانًا والمخيف الذي حثتنا الفيلسوفة مارثا نوسباوم ببلاغة رائعة على استكشافه رغم مخاوفنا – نتحرر لنبلغ حميمية أوسع أبعادًا وأعظم مع الآخرين. حيث تكتب ميتلاند:

"لا شيء أكثر تدميرًا للعلاقات الدافئة من الشخص الذي "لا يمانع" بلا نهاية. لا يبدو الشخص من هذا النوع ممثلًا لفردٍ كامل إن لم يكن لديه شيء خاص به ليطرحه، فيتحدث بناء عليه. يشير هذا إلى أنه حتى هؤلاء الذين يعرفون أنهم يكونون على أكمل وأفضل شكلٍ في العلاقات (من أي نوع) يحتاجون إلى قدرةٍ على أن يكونوا وحدهم، وعلى الأرجح إلى بعض المناسبات، على الأقل، ليستخدموا هذه القدرة. إن كنت تعرف من أنت وتعرف أنك تتواصل مع الآخرين لأنك تريد ذلك، وليس لأنك مقيّد، داخل الحاجة الماسة والطمع، لأنك تخشى أنك لن تكون موجودًا دون شخص ما يؤكد على هذه الحقيقة، فأنت حر. بل إن بعض الانعزال يمكن في الحقيقة أن يخلق علاقاتٍ أفضل، لأن طرفي العلاقة سوف يكونا أكثر حرية".

ومع ذلك فإن قيمة كون المرء وحيدًا قد انحدرت نزولًا إلى دوامةٍ من الحكم الاجتماعي على مر عصور الإنسانية. تستشهد ميتلاند بصعود فكرة "العوانس الذكور" في التعداد الرسمي للسكان في الولايات المتحدة – أي الرجال فوق الأربعين عامًا الذين لم يتزوجوا مطلقًا، الذين ارتفعت نسبتهم من 6 بالمئة عام 1980 إلى 16 بالمئة عام 2014 – في تتبعها للتشويه الثقافي الغريب للفكرة نفسها، حيث تقول:

"في العصور الوسطى كانت كلمة "عانس" تمثل إطراءً. كان العانس (عادة تشير إلى امرأة) هو الشخص الذي يستطيع الغزل بشكل جيد: فالمرأة التي أمكنها الغزل بشكل جيد كانت مكتفية ماليًا – حيث كانت تلك إحدى الطرق القليلة جدًا التي مكنت المرأة في العصور الوسطى من تحقيق الاستقلال الاقتصادي. وكانت الكلمة تطبّق بشكل سخي على جميع النساء في مرحلة الزواج كوسيلة لقول إنهن اخترن العلاقة بحرية، بناء على الاختيار الشخصي، وليس بسبب اليأس المالي. ولكن الآن تمثل الكلمة إهانة، لأننا نخاف "على" مثل تلك المرأة – وكذلك الرجل حاليًا – الذي هو على الأرجح "سايكوباتي"/معتل اجتماعيًا".

هذا الموقف الحديث إلى حدٍ ما، الذي يطرح الوحدة الطوعية كرهانٍ ثلاثي سام على كون الشخص "حزين، غاضب وسيء" – يتعزز عبر شكلٍ من المنطق العقائدي المنطوي على مغالطة، الذي لا يمنح من يختارون الانعزال الاحترام الأساسي لاختيارهم. مفكرة في الاستجابة المشفقة السائدة – الناجمة عن الجزء "الحزين" من العقيدة – تستعرض ميتلاند الاستحالة المُسخطة لدحض مثل هذه الافتراضات الاجتماعية:

"إن قلت: "حسنًا، في الحقيقة لا؛ أنا سعيد للغاية"، يستخدم الإنكار لإثبات الحالة. لقد قال أحدهم مؤخرًا، محاولًا تعزيتي في بؤسي، عندما طمئنته حيال أنني في الواقع سعيدة: "قد تظنين أنك سعيدة". لكن السعادة شعور. لا أظنها – بل أشعر بها. بالتأكيد ربما أعيش في سعادة وهمية، وكامل صرح الفرح والرضا سوف ينهار فوق رأسي قريبًا، لكن في اللحظة الراهنة إما أنني أكذب أو أنني أصدُق. لا يمكن لسعادتي، حسب الطبيعة المحددة للسعادة، أن تكون شيئًا أظن أنني أشعر به دون أن أشعر به حقًا. ليس هناك استجابة ممكنة لا تهبط بشكل شبه فوري إلى مستوى حوار الدفاع في مواجهة الاتهامات ("فعلت!، لم أفعل!؛ فعلت!، لم أفعل!") الخاص بملعب المدرسة".

يكمن وراء تلك المواقف، حسبما تجادل ميتلاند، المحرك الأساسي للخوف – الخوف من هؤلاء المختلفين عنّا بشكل جذري، الذين يتخذون خياراتٍ لا نفهمها بالضرورة. يقودنا هذا بدوره إلى إسقاط خوفنا على الآخرين، عادة في صورة غضب – ما يمثل تعبيرًا حزينًا، غاضبًا وسيءً، في آن، عن ملاحظة أناييز نين المميزة: "علامة تقلقل داخلي عظيم أن تكون عدائيًا تجاه غير المألوف".


هذه المخاوف الاجتماعية المعززة باستمرار، حسبما تتابع ميتلاند، لها عواقب مخيفة:

"إن أخبرت الناس عددًا كافيًا من المرات أنهم غير سعداء، غير مكتملين، مجانين بشكلٍ محتمل وبالتأكيد أنانيين فلا بد أن يأتي صباح غائم حيث يستيقظون مع بداية إصابتهم بزكامٍ شديد متسائلين حول ما إذا كانوا وحيدين أم أنهم ببساطة "وحدهم"".

(هذا الفرق الجوهري بين كون المرء وحيدًا وشعوره بالوحدة، في الواقع، ليس فقط محوريًا بالنسبة لقلقنا النفسي لكنه مسنون حتى في أجسادنا – فبينما الانعزال قد يكون ضروريًا للإبداع ومفتاحًا لأسطورة العبقرية، وجد علماء أن الوحدة لها عواقب جسدية مميتة تحمل مخاطر إصابتنا بكل شيء من مرض القلب حتى العته).

للمفارقة، وفقًا لميتلاند، كان الانعزال جزءً لا يتجزأ من نمط حياة وروح العديد من رموزنا الثقافية الأكثر شهرة، من المستكشفين والمغامرين العظماء إلى "العباقرة" المشهورين. تشتهد ميتلاند بممثلة الأفلام الصامتة العظيمة جريتا جاربو، وهي منعزلةٌ شهيرة، كمثالٍ مؤثرٍ بشكلٍ خاص:

"قدمت جاربو دقةً في التعبير إلى فن التمثيل الصامت، وأوضحت أن تأثيره على الجماهير لا يمكن أن يكون مبالغًا فيه... وعند تقاعدها تبنت نمط حياةٍ من البساطة والترفيه، حيث كانت أحيانًا "تنساق مع التيار" وحسب. لكنها دائمًا كان لديها أصدقاء مقربون اختلطت بهم وسافرت معهم. لم تتزوج لكن كان لديها علاقات حبٍ جادة مع رجالٍ ونساء. جمعت قطعًا فنية. مارست المشي، وحدها ومع رفقة، خصوصًا في شوارع نيويورك. كانت ماهرة في تجنب مصوري الفضائح. بما أنها اختارت التقاعد، ورفضت باستمرار لبقية حياتها فرصًا لصنع المزيد من الأفلام، فمن المعقول افتراض أنها كانت راضية بهذا الخيار.

في الواقع يبدو واضحًا أن الكثير من البشر، لأسبابٍ عديدة مختلفة، على مر التاريخ وعبر الثقافات، قد سعوا نحو الانعزال إلى الحد الذي حققته جاربو، وبعد اختبار هذا النمط من الحياة لفترة يستمرون في الالتزام بخياراتهم، حتى عندما تتوفر لهم فرصٌ جيدة تمامًا لعيش حياةٍ أكثر اجتماعية".

إذن فكيف نشأت مواقفنا الحالية تجاه الانعزال؟ تجادل ميتلاند بأن رفضنا المؤسف لمنح من يختارون أن يكونوا وحدهم "التسامح العادي تجاه الاختلاف الذي نحترم أنفسنا على أساسه في مواقف أخرى" هو نتيجة "ارتباك ثقافي عميق جدًا":

"طوال ألفيّتين، على الأقل، كنا نحاول التعايش مع نموذجين متعارضين ومتناقضين جذريًا لماهية الحياة الجيدة، أو ما يجب أن تكون عليه. ثقافيًا، هناك ميلٌ سهلٌ قليلًا لإلقاء اللوم على مشكلاتنا، وخصوصًا صعوباتنا الاجتماعية، سواء أكان ذلك مبنيًا على داروينية اجتماعية خام أو على حزمةٍ مبهمة التعريف يطلق عليها "نموذج التراث اليهودي المسيحي" أو "التقاليد". يبدو أن ذلك هو سبب، ضمن أسباب أخرى، أننا نواجه صعوبة كبيرة جدًا مع الجنس (جنسنا وجنس الآخرين)؛ فلماذا تظل المرأة غير متكافئة؛ لماذا نحن ملتزمون تجاه الهيمنة على العالم وتدمير النظام البيئي؛ ولماذا لسنا سعداء تمامًا مثلما نستحق. أنا لا أحمل هذا الاعتقاد – لكنني أعتقد أننا نعاني من محاولة الحفاظ على تماسك قيم التراث المسيحي اليهودي (بقدر فهمنا لها) وقيم الحضارة الكلاسيكية، وهي حقًا غير متلائمة".

تتبع ميتلاند تطور ذلك الارتباك وصولًا إلى الامبراطورية الرومانية، بمثلها العليا للحياة الاجتماعية والعامة. حتى أن كلمة "حضارة" (civilization) تدل على هذه القيم – فهي تشتق من كلمة (civis)، المقابل اللاتيني لكلمة "مواطن" (citizen). (رغم أن ذلك يستدعي الإشارة إلى أن إحدى الصادرات الرومانية الأكثر استمرارية هي تذكيرها المميز بأن "كل من يدعونك إلى ذواتهم يبعدونك عن ذاتك"). ومع ذلك، اشتهر الرومان على نحوٍ سيء باشتهائهم للسلطة، الشرف والمجد – وهي مثل عليا اجتماعية دائمًا بطبيعتها وحاسمة بالنسبة للتماسك السياسي للمجتمع عند مواجهته للبرابرة عند الأبواب. تعلّق ميتلاند:

"في هذه الظروف يمثل الانعزال تهديدًا – فدون إيمانٍ ديني مضمّن ومشترك لإعطاء معنى مشترك للاختيار، يعد كون المرء وحيدًا تحديًا لأمن هؤلاء الذين يتشبثون بشكلٍ يائس بعوامةٍ تغرق. الأشخاص الذين ينسحبون و"يمضون وحدهم" يكشفون الخطر حينما يبدو أنهم يهربون من المشاركة".

تتقدم ميتلاند سريعًا إلى مأزقنا الحالي، نتاج آلاف السنين من الأمتعة الثقافية:

"لا عجب أننا خائفون من هؤلاء الذين يرغبون في ويطمحون إلى أن يكونوا وحدهم، باستثناء عددٍ منهم أكبر قليلًا كان مقبولًا في صورٍ اجتماعية انتشرت مؤخرًا. لا عجب أننا نريد ترسيخ الانعزال بوصفه "حزن، غضب، سوء" – فبشكل واعي أو لاواعي، هؤلاء منّا الذين يريدون فعل شيء مضاد للثقافة يكشفون، بل ويوسّعون، خطوط الصدع.

لكن الحقيقة هي أن النموذج الحالي ليس ناجحًا حقًا. رغم الانتباه والعناية المركزين على الكبرياء الفردي؛ رغم المحاولة لأكثر من قرنٍ "زيادة احترام الذات" ضمن الاعتقاد الغريب بأن ذلك سوف يحسّن في الوقت ذاته الفردية ويخلق مواطنين صالحين؛ رغم المحاولات الباسلة لتوطيد العلاقات وتقليل القيود؛ رغم جهود الترهيب لإكراه الأشخاص الأكثر ابداعًا واستقلالية في التفكير على أن يصبحوا "لاعبو فريق"؛ رغم وعود الحرية الشخصية المقدمة إلينا من قبل النيوليبرالية ومذهب الفردية والحقوق – رغم كل هذا، يبدو أن الينبوع ينضب. نحن نعيش في مجتمعٍ متصفٍ بالأطفال غير السعداء، الشباب المغترب، البالغين المنعزلين سياسيًا، الاستهلاكية المسفّهة، عدم المساواة المتفاقمة، التذبذب المخيف للغاية في النظام الاقتصادي بالكامل، المعدلات المرتفعة من اعتلال الصحة العقلية والكوكب المتضرر للغاية لدرجة أننا قد ينتهي بنا المطاف مدمرين للمشروع بالكامل.
بالتأكيد نعيش أيضًا في عالم من الجمال العظيم، الحب الشغوف والقرباني، الحنان، الازدهار، الشجاعة والفرح. لكن يبدو أن الكثير جدًا من كل هذا يحدث بغض النظر عن النموذج والأفكار المنتشية للفلسفة. لقد كان دائمًا يحدث. ولأنه كان دائمًا يحدث تحديدًا، نلجأ لمصارعة هذه المشكلات أملًا في أنه يمكن أن يحدث أكثر ولأشخاصٍ أكثر".

المصارعة التي نقوم بها، عادة في محاولة للإمساك والتشبث بطريقنا إلى خارج الانعزال – هي حالة لا نفهمها بالكامل ولا يمكننا أن نسكنها بالكامل لنحصد ثمارها. تشير ميتلاند إلى أن أسلوبينا الأكثر انتشارًا لنحمي أنفسنا من الانعزال هما، استراتيجية الخوف والاسقاط الهجومية، حيث ننتقد هؤلاء القادرين على التوصل للفرح في الانعزال والحكم عليهم بنموذج الحزين-الغاضب-السيء، والأسلوب الدفاعي، حيث نحاول عزل أنفسنا عن خطر البقاء وحدنا عبر مراكمة شبكةٍ واسعة من الصلات الاجتماعية، على نحوٍ قلق، كشكلٍ من "بوليصة التأمين". في أحد تعليقاتها الجانبية الأكثر إثارة للمشاعر بهدوء، تهمس ميتلاند:

"ليس هناك عدد من الأصدقاء على فيسبوك، جهات الاتصال، العلاقات أو المخصصات المالية يمكنه ضمان حمايتنا".

تتجلى ازدواجيتنا الثقافية أيضًا في تحيزنا المزمن للانفتاح، رغم الأدلة المتزايدة على قوة الانطوائية. تكتب ميتلاند:

"في ذات الوقت مع السعي وراء هذا "المثل الأعلى الانفتاحي"، يقدم المجتمع رسالةً معاكسة – رغم كونها أكثر خفاءً. فمظعم الأشخاص سوف يظلون يفضلون أن يوصفوا بالحساسين، الروحانيين، التأمليين، المتمتعين بحيواتٍ داخلية غنية والمستمعين الجيدين، مقارنة بالأضداد المنفتحة. أظن أننا لا نزال معجبين بحياة المفكر أكثر من حياة مندوب المبيعات؛ بالمؤلف أكثر من المؤدي (وهو سبب تأكيد نجوم البوب باستمرار على أنهم يكتبون أغانيهم بأنفسهم)؛ بالحِرفي أكثر من السياسي؛ بالمغامر المنفرد أكثر من سائح الرحلة الشاملة... لكن نوع الرسائل المختلطة مع كونها غير مفحوصة التي يقدمها المجتمع إلينا فيما يتعلق بكون المرء وحيدًا تزيد الارتباك؛ ويقوي الارتباك الخوف".



نجد ضمن أدوات ميتلاند من "أفكارٍ لقلب الآراء السلبية تجاه الانعزال وتطوير شعورٍ إيجابي تجاه كون المرء وحيدًا، وتطوير قدرةٍ حقيقية على الاستمتاع بذلك" استكشاف الخيال وممارسة مواجهة الخوف. تسرد ميتلاند الفئات الخمس الأساسية من الثمار التي سوف نجنيها من نسي خوفنا المشروط ثقافيًا من البقاء وحيدين وتعلم كيفية "ممارسة" الانعزال بشكل جيد:

1) وعيٌ أعمق بالنفس.
2) تناغمٌ أعمق مع الطبيعة.
3) علاقةٌ أعمق مع الفائق (الخشوعي، الإلهي، الروحاني).
4) زيادة الإبداع.
5) شعورٌ متزايدٌ بالحرية.

Share this:

0 comments:

Post a Comment