عقيدة أوباما: فوضى الشرق الأوسط والتمحور حول آسيا


مقدمة المترجم: مع حلول الأشهر الأخيرة للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، داخل البيت الأبيض، بعد فترتين رئاسيتين، تأخذنا هذه المقابلة المطوّلة التي أجراها معه الصحفي بمجلة "ذي أتلانتك"، جيفري جولدبيرج، إلى رحلة مشوقة خلف كواليس ثمان سنواتٍ من حكم أقوى دولة في العالم، فضّلت تقسيم المقابلة إلى أجزاء حسب القضايا التي تطرقت إليها المقابلة وبعد الجزء الأول والجزء الثاني، ننتقل إلى الجزء الثالث، المتعلق بتعامل أوباما مع فوضى الشرق الأوسط والتمحور حول آسيا، إلى نص المقابلة:

لم يصل أوباما إلى الرئاسة منشغل البال بالشرق الأوسط. فهو أول ابن لمنطقة المحيط الهادئ يصل إلى الرئاسة – ولد في هاواي وتربى هناك، وعاش لأربعة أعوام في أندونيسا – ويركز اهتمامه على تحويل اهتمام أمريكا إلى آسيا.

بالنسبة لأوباما، تمثل آسيا المستقبل. وتستحق أفريقيا وأمريكا اللاتينية، من وجهة نظره، اهتمامًا أكبر بكثير من الذي تحصلان عليه من الولايات المتحدة. وتمثل أوروبا، التي لا يشعر الرئيس نحوها بالرومانسية، مصدرًا للاستقرار العالمي، والتي تتطلب، رغم ما يسببه ذلك من إزعاج له أحيانًا، الدعم الأمريكي. بينما يجب تجنب الشرق الأوسط – وهي المنطقة التي، بفضل ثورة الطاقة الأمريكية، ستحظى قريبًا بقدر ضئيل من الأهمية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.
ليس النفط هو ما يشكل فهم أوباما لمسؤولياته في الشرق الأوسط، بل إحدى الصادرات الأخرى للمنطقة، إنه الإرهاب.

في مطلع عام 2014، قال مستشارو الاستخبارات لأوباما إن داعش له أهمية هامشية. ووفق مسؤولين بالإدارة، أبلغ الجنرال لويد أوستن، الذي كان قائد القيادة المركزية، التي تشرف على عمليات الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، البيت الأبيض أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يتعدى كونه "زوبعة في فنجان".

قادت تلك التحليلات أوباما، في مقابلة مع مجلة "نيويوركر"، إلى وصف كوكبة التنظيمات الجهادية في العراق وسوريا بـ"الفرقة الناشئة" من الإرهابيين. (أخبرني متحدث باسم أوستن، "لم يعتبر الجنرال أوستن أبدًا تنظيم داعش "زوبعة في فنجان"").

ولكن بحلول ربيع 2014، بعد استيلاء داعش على مدينة الموصل بشمالي العراق، توصل الرئيس إلى الاعتقاد بأن الاستخبارات الأمريكية قد فشلت في تقدير خطورة التهديد وأوجه القصور بالجيش العراقي، وتغيرت وجهة نظره. بعد قطع التنظيم لرؤوس ثلاثة مدنيين أمريكيين في سوريا، فقد أصبح واضحًا لأوباما أن هزم التنظيم بات ضرورة أكثر إلحاحًا للولايات المتحدة بالمقارنة بالإطاحة ببشار الأسد.

يذكر المستشارون أن أوباما قد استشهد بلحظة محورية في فيلم The Dark Knight، الذي صدر عام 2008 عن قصة "باتمان"، للمساعدة في توضيح كيفية فهمه لدور داعش، بل وأيضًا لفهم النظام البيئي الأوسع الذي نمى فيها التنظيم. يقول الرئيس: "هناك مشهد في بداية الفيلم يصور اجتماع زعماء عصابات مدينة جوثان. نجح هؤلاء الرجال في إحداث الانقسام بالمدينة. كانوا مجرمين، لكن كان بينهم نوع من النظام. كان لكل منهم منطقته. ثم يظهر "الجوكر" ويضرم النيران بالمدينة كلها. وهنا، يمثل داعش الجوكر. فالتنظيم لديه القدرة على إضرام النيران بالمنطقة بالكامل. لذلك علينا محاربته".

أدى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية إلى تعميق اقتناع أوباما بأن الشرق الأوسط لا يمكن إصلاحه – ليس في فترته، ولا للجيل القادم.

في أربعاءٍ ممطر بمنتصف نوفمبر، ظهر الرئيس أوباما على المسرح بقمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في مانيلا مع جاك ما، مؤسس شركة التجارة الإلكترونية الصينية "علي بابا"، ومخترعة فلبينية عمرها 31 عامًا تدعى عائشة مايجينو. كانت القاعة ممتلئة بالمدراء التنفيذيين الصينيين، قادة الأعمال الأمريكيين، ومسؤولين حكوميين من جميع أنحاء المنطقة. ألقى أوباما، الذي قوبل بترحيب حار، أولًا تصريحات غير رسمية من وراء المنصة، تعلقت بشكل رئيسي بتهديد التغير المناخي.

لم يذكر أوباما الموضوع الذي يشغل بال الكثير من بقية العالم – هجمات باريس التي وقعت قبل خمسة أيام وراح ضحيتها 130 شخص. وصل أوباما إلى مانيلا قبل ذلك بيوم، قادمًا من قمة دول العشرين التي عقدت في أنطاليا بتركيا. وكانت هجمات باريس موضوعًا رئيسيًا للحديث في أنطاليا، حيث أقام أوباما مؤتمرًا صحفيًا مثيرًا للجدل بشكل خاص بذلك الشأن.

كان الصحفيون المسافرون المعتمدون لدى البيت الأبيض يسألون بلا توقف، حيث سأل أحدهم: "ألم يحن الوقت لتغير استراتيجيتك؟"، وأعقب ذلك: "هل لي أن أطلب منك الرد على منتقديك الذين يقولون إن ممانعتك لدخول حرب شرق أوسطية جديدة، وتفضيلك للدبلوماسية على استخدام الجيش، يجعل الولايات المتحدة أضعف ويقوي أعدائنا؟" ثم جاء هذا السؤال خالد الذكر من مراسل شبكة سي إن إن: "أعذرني في اللغة التي ساستخدمها، لكن لماذا لا ننقض على هؤلاء الأوغاد؟"، الذي تبعه سؤال: "هل تظن أنك بالفعل تفهم هذا العدو للدرجة الكافية لتهزمه ولتحمي أرض الوطن؟"
مع تدفق الأسئلة، أصبح أوباما تدريجيًا أكثر انزعاجًا. وصف استراتيجيته لمواجهة داعش بالتفصيل، وكانت المرة الوحيدة التي أظهر فيها عاطفة سوى الاحتقار حين تحدث عن الجدل الناشئ بشأن سياسة اللاجئين الأمريكية. فقد تحول حكام الولايات والمرشحون الرئاسيون الجمهوريون فجأة إلى المطالبة بمنع اللاجئين السوريين من المجئ إلى أمريكا. اقترح تيد كروز قبول السوريين المسيحيين فقط. بينما قال كريس كريستي إن جميع اللاجئين، بمن فيهم "الأيتام دون سن 5 سنوات"، يجب منعهم من الدخول لحين تطبيق إجراءات فحص مناسبة.

بدا ذلك الخطاب مثيرًا لإحباط أوباما بشدة. إذ قال للصحفيين: "عندما أسمع أشخاصًا يقولون، ربما يجب أن نقبل المسيحيين فقط لا المسلمين؛ عندما اسمع قادة سياسيين يقترحون إجراء اختبار ديني للأشخاص الهاربين من بلد مزقته الحرب. أرى أن ذلك ليس ما تفعله أمريكا. لا يعبر ذلك عنّا. لا نُجري اختباراتٍ دينية لتعاطفنا".

غادرت الطائرة الرئاسية أنطاليا وبلغت مانيلا بعد 10 ساعات. عند ذلك، توصل مستشارو الرئيس، وفق أحد المسؤولين، إلى فهم أن "الجميع في الوطن فقدوا عقولهم". فقد بحثت سوزان رايس، في محاولة لاستيعاب القلق المتزايد، بتلفاز الفندق عن قناة سي إن إن، لكنها وجدت قناتي بي بي سي وفوكس نيوز فقط. فتأرجحت بين القناتين في محاولة لفهم سبب القلق، حسبما أخبرت المسافرين معها.

لاحقًا، سيقول الرئيس أنه فشل في تقدير الخوف الذي عاشه الكثير من الأمريكيين بشأن احتمالية حدوث هجوم على نسق باريس في الولايات المتحدة. لقد أعاقه السفر الطويل، الجدول الممتلئ، وإرهاق الرحلات الطويلة الذي يغلف رحلة رئاسية حول العالم. ولكنه لم يعتقد أبدًا أن الإرهاب يشكل تهديدًا على أمريكا بشكل يتناسب مع قدر الخوف الذي يولده. حتى خلال الفترة من عام 2014 حين أعدم داعش المختطفين الأمريكيين في سوريا، كان يكبح مشاعره.

فاليري جاريت، أقرب مستشارة لأوباما، أبلغته أن الشعب كان قلقًا من أن التنظيم قد ينقل قريبًا حملته لقطع الرؤوس إلى الولايات المتحدة. فطمأنها: "لن يأتوا إلى هنا ليقطعوا رؤسنا". ويذكر أوباما فريقه مرارًا بأن الإرهاب يقضي على أرواح أقل بكثير في أمريكا من ضحايا الأسلحة اليدوية، حوادث السيارات، والسقوط في حمامات السباحة.

منذ عدة سنوات، عبر لي عن إعجابه بـ"مرونة" الإسرائيليين في مواجهة الإرهاب المستمر، ومن الواضح أنه سيود أن يرى تلك المرونة تحل محل الذعر في المجتمع الأمريكي. ومع ذلك، يخوض مستشاروه معركة دفاعية مستمرة لمنع أوباما من وضع الإرهاب فيما يعتبره منظوره "الملائم"، خوفًا من أنه سيبدو غير مستشعر لمخاوف الشعب الأمريكي.

أوباما ووزير الخارجية، جون كيري، يتابعان أثناء اجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المؤتمر العالمي لتغير المناخ في ديسمبر 2015 بباريس. (كيفين لامرق/رويترز)
يتسرب الإحباط وسط مستشاري أوباما إلى البنتاجون ووزارة الخارجية. فجون كيري يبدو أكثر قلقًا بالنسبة لداعش من الرئيس نفسه. وفي الآونة الأخيرة، عندما سألت وزير الخارجية سؤالًا عامًا – هل لازال الشرق الأوسط مهمًا للولايات المتحدة؟ - أجاب عبر الحديث بشكل حصري عن داعش. حيث قال: "إنه تهديد للعالم أجمع"، إنه تنظيم "ملتزم علنًا بتدمير من يعيشون في الغرب وفي الشرق الأوسط. تخيل ما قد يحدث في حال لم نقاتلهم، إن لم نقد تحالفًا، مثلما نفعل حاليًا. إن لم نفعل ذلك، كنت لتشهد سقوط بعض حلفائنا وأصدقائنا. كنت لترى موجة نزوح جماعي إلى أوروبا، ما سيدمر أوروبا ويقود إلى خرابها التام، وسينهي المشروع الأوروبي، وسيهروب الجميع للاحتماء. إنها الثلاثينيات تحدث أمامك مجددًا، مع اندفاع القومية والفاشية وأمور أخرى. بالتأكيد الأمر مهم بالنسبة لنا، بل مهم للغاية".

عندما أخبرت كيري أن لهجة الرئيس لا تطابق لهجته، قال: "يرى الرئيس أوباما كل هذا، لكنه لا يركز عليه، ويعتقد أننا نسير على الطريق الصحيح. لقد صعّد جهوده. لكنه لا يحاول خلق هستيريا ... أظن أن الرئيس يميل دائمًا لمحاولة إبقاء الأمور في نصابها الصحيح. وأنا أحترم ذلك".

يعدّل أوباما نقاشه حول الإرهاب لأسباب عدة؛ فهو سبوكي (نسبة للفيلسوف بنيامين سبوك) بطبيعته. ويعتقد أن كلمة في غير محلها، نظرة خوف، أو زعمٌ مبالغٌ فيه غير مدروس قد يدفع البلاد نحو حالة من الذعر. وأكثر نوع يقلقه من الذعر يتجلى في صورة رهاب الأجانب المعادي للمسلمين أو في صورة تحدٍ للانفتاح الأمريكي وللنظام الدستوري.

يصاب الرئيس بالإحباط لأن الإرهاب يستمر في إغراق أجندته الأكبر، خصوصًا مع ارتباطها بإعادة موازنة الأولويات العالمية لأمريكا. وطوال سنوات، كان "التمحور حول آسيا" أولوية قصوى لديه. حيث يعتقد أن المستقبل الاقتصادي يكمن في آسيا وأن التحدي الذي تشكله الصين يتطلب انتباهًا مستمرًا. ومنذ أيامه الأولى في منصبه، ركز أوباما على إعادة بناء العلاقات، الرثة أحيانًا، بين الولايات المتحدة وشركائها الآسيويين، ويبحث على الدوام عن فرص لجذب الدول الآسيوية الأخرى إلى المدار الأمريكي. فكان انفتاحه المثير على بورما أحد تلك الفرص؛ وتمثلت فرص أخرى في فيتنام والكوكبة الكاملة من دول جنوب شرق آسيا الخائفة من الهيمنة الصينية.

في مانيلا، بقمة "أبيك"، كان أوباما عازمًا على إبقاء الحديث مركزًا على تلك الأجندة، وليس على ما اعتبره التحدي الذي يمكن احتوائه الذي يشكله داعش. أخبرني وزير دفاع أوباما، آشتون كارتر، منذ فترة ليست بطويلة أن أوباما قد حافظ على تركيزه على آسيا، حتى مع استمرار تأجج الصراعات في سوريا والشرق الأوسط. وأضاف كارتر أن أوباما يعتقد أن آسيا "هي الجزء من العالم الذي يحمل أعظم التبعات للمستقبل الأمريكي، وأنه لا يوجد رئيس يستطيع إبعاد ناظريه عن ذلك". وتابع، "إنه يسأل باستمرار، حتى في وسط كل شيء آخر، "أين وصلنا في إعادة موازنة آسيا والمحيط الهادئ؟ أين نحن من حيث الموارد؟ لقد كان متابعًا بشدة لذلك الشأن، حتى في فترات التوترات بالشرق الأوسط".

بعد أن أنهى أوباما عرضه بصدد التغير المناخي، انضم إلى ما ومايجينو، الذين جلسا على مقعدين قريبين، حيث كان أوباما يستعد لإجراء مقابلة معهما على طريقة مقدمي البرامج الحوارية النهارية – وهو أسلوب بدا محدثًا للحظة من الدوار الذي قلب الوضع وسط جمهورٍ غير معتاد على مثل ذلك من قادته. بدأ أوباما بطرح سؤالٍ على ما عن التغير المناخي. وكما هو متوقع، اتفق ما مع أوباما على أنها مشكلة مهمة جدًا. ثم تحول أوباما إلى مايجينو.

ما كان العمل بمختبر في خبايا الجناح الغربي من البيت الأبيض ليخرج شخصًا مصمَمًا بخبرة لينال إعجاب أوباما المتقلب أكثر من مايجينو، إنها مهندسة شابة اخترعت، بمساعدة أخيها، مصباحًا يعمل بشكل ما بالمياه المالحة.
فسألها أوباما: "فقط من أجل التوضيح يا عائشة، يمكن لجهازك أن يوفر حوالي 8 ساعات من الإضاءة ببعض الماء المالح، صحيح؟"
فردت: "ثمان ساعات من الإضاءة".
فتابع: "والمصباح تكلفته 20 دولار..."
مايجينو: "حوالي 20 دولار".

فقال أوباما: "أظن أن عائشة تعد نموذجًا مثاليًا عما نراه في دول كثيرة – رواد أعمال شباب يتوصلون إلى تكنولوجيات واثبة، على غرار أنه في أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا، لم تُركب الخطوط الأرضية أبدًا"، لأن تلك المناطق وثبت مباشرة إلى استخدام الهواتف المحمولة. فشجع أوباما ما لتمويل أعمالها. وقال أوباما ضاحكًا: "لقد فازت بالكثير من الجوائز وحصلت على الكثير من الاهتمام، لذلك فالأمر ليس أشبه بتلك الإعلانات التي تشتري منتجاتها ثم تكتشف أن الجهاز لا يعمل".

في اليوم التالي، على متن الطائرة الرئاسية في طريقها إلى كوالا لمبور، أخبرت الرئيس أنه قد بدا سعيدًا بحق لوجوده على المسرح مع ما ومايجينو، ثم تحولت عن آسيا وسألته إن كان هناك أي شيء بالشرق الأوسط بجعله سعيدًا.
فرد: "حاليًا، لا أظن أن الوضع بالشرق الأوسط يسعد أحد. هناك دول تفشل في توفير الازدها والفرص لشعوبها. هناك فكر متطرف وعنيف، أو أفكار، تشحن بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هناك دول بها القليل جدًا من التقاليد المدنية، لذلك حين تبدأ الأنظمة الاستبدادية في التمزق، تتبقى المبادئ التنظيمية الطائفية فقط".

وتابع، "تجد النقيض من ذلك في جنوب شرق آسيا، التي لا يزال بها مشكلات ضخمة – مستويات ضخمة من الفقر، الفساد – لكنها ممتلئة بالأشخاص المكافحين والطموحين الذين يناضلون بشكل يومي لبناء الأعمال والحصول على التعليم وبناء البنية التحتية. يبدو التباين صارخًا جدًا".

في آسيا، كما الحال في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وفق أوباما، يرى شبابًا يتوقون إلى تحسين الذات، الحداثة، التعليم، والثروة المادية. "لا يفكرون بشأن كيفية قتل الأمريكيين. بل يفكرون بشأن كيفية الحصول على تعليم أفضل، كيفية خلق شيء له قيمة".

ثم قدم ملاحظة أدركت أنها تمثل فهمه الأتعس والأعمق للشرق الأوسط اليوم – ليس نوع الفهم الذي قد يُروج له من قبل البيت الأبيض، الذي لا يزال موجهًا نحو مواضيع مثل الأمل والتغيير. "إن لم نتحدث معهم فإننا نضيع الفرصة"، حسبما قال في إشارة إلى الشباب من آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وتابع: "لأن الأمر الوحيد الذي نفعله هو محاولة التوصل لكيفية تدمير أو تطويق أو السيطرة على الأجزاء العنيفة، العدمية، الشريرة من البشرية".

يقول منتقدو أوباما إن الرئيس غير فعال في تطويق عدميي الإسلام الراديكالي العنيفين لأنه لا يفهم طبيعة التهديد. بالفعل يقاوم أوباما تفسير الإسلام الراديكالي عبر منظور "صراع الحضارات" الذي نشره أستاذ العلوم السياسية الراحل صموئيل هنتنجتون. ولكن ذلك يعود لرغبته، حسبما يقول هو ومستشاريه، عدم تضخيم حجم الخطر. وعلق جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية: "لا يكمن الهدف في إلباس ذلك الصراع ثوبًا هنتنجتونيًا".

تحدث فرنسوا هولاند وديفيد كاميرون بشأن تهديد الإسلام الراديكالي بلغة أكثر هنتنجتونية، وقد سمعت أن كلاهما يتمنى أن يستخدم أوباما لغة أكثر وضوحًا عند الحديث بشأن التهديد. عندما أبلغت أوباما بهذا قال، "هولاند وكاميرون استخدما عبارات مثل "الإسلام الراديكالي"، والتي لم نستخدمها بشكل منتظم كوسيلة لاستهداف الإرهاب. ولكن لم يحدث قط أن قالوا لي، "كيف لا تستخدم هذه الجملة كما تسمع الجمهوريين يقولونها""، يقول أوباما أنه قد طالب القادة المسلمين بفعل المزيد للقضاء على تهديد الأصولية العنيفة. "ما أقصده واضح جدًا، وهو أن هناك تفسير عنيف، راديكالي، متعصب وعدمي للإسلام يتبناه فصيل – فصيل ضئيل – وسط المجتمع المسلم، وذلك الفصيل هو عدونا الذي يجب هزمه".

ثم قدم نقدًا بدا أكثر توافقًا مع لغة كاميرون وهولاند. إذ قال: "هناك أيضًا حاجة للإسلام ككل ليواجه ذلك التفسير، ويعزله، ويجري نقاشًا قويًا داخل مجتمعهم بشأن كيفية توظيف الإسلام كجزء من مجتمع حديث ومسالم". ولكنه أضاف، "ما كنت لأحث المسلمين المسالمين والمتسامحين على المشاركة في هذا الجدال، إن لم أكن مستشعرًا لقلقهم بشأن وسمهم مع المتطرفين".
أوباما ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في واشنطن العاصمة، أبريل 2015 (بيت سوزا/البيت الأبيض)
في لقاءات خاصة مع قادة عالميين آخرين، قال أوباما إنه لن يكون هناك حلٌ شاملٌ للإرهاب الإسلامي حتى يوفق الإسلام ذاته مع الحداثة ويجري بعضًا من الإصلاحات التي غيرت المسيحية.

رغم أنه قد قال، على نحو مثيرٍ للجدل، إن صراعات الشرق الأوسط "ترجع إلى آلاف السنين". كما يعتقد أن غضب المسلمين المكثف خلال السنوات الأخيرة قد شُجع من قبل دول تعتبر صديقة للولايات المتحدة. ففي اجتماع أثناء قمة "أبيك" مع مالكولم تيرنبول، رئيس الوزراء الأسترالي الجديد، وصف أوباما كيف أنه راقب أندونيسيا تتحول تدريجيًا من إسلامٍ متسامح وتوفيقي إلى تفسيرٍ أكثر تعصبًا وتشددًا؛ كما لاحظ أن عددًا كبيرًا من النساء الأندونيسيات أصبحن يرتدين حجاب الرأس الإسلامي.

سأل تيرنبول، لماذا حدث ذلك؟

فأجاب أوباما، لأن السعوديين ودول الخليج العربية الأخرى دفّقوا الأموال، وأعدادًا كبيرة من الأئمة والمعلمين، إلى أندونيسيا. وفي التسعينيات، موّل السعوديون بشدة المدارس الدينية والندوات التي تعلّم النسخة الأصولية من الإسلام المفضلة من قبل العائلة السعودية الحاكمة. واليوم، وفق أوباما، أصبح الإسلام في أندونيسيا عربي التوجه أكثر مما كان عليه عندما عاش هو هناك.

رد تورنبول: "أليس السعوديون أصدقائك؟"
فأجاب أوباما: "الأمر معقد".

دائمًا ما كان صبر أوباما على السعودية محدودًا. ففي أول تعليق هام له بشأن السياسة الخارجية، ضمن خطاب عام 2002 في الحشد المناهض للحرب بشيكاجو، قال: "هل تريد معركة أيها الرئيس بوش؟ فلنقاتل لضمان وقف من يسمون حلفائنا في الشرق الأوسط – السعوديون والمصريون – لظلم شعوبهم، قمع المعارضة، والتسامح مع الفساد وعدم المساواة". وفي البيت الأبيض حاليًا، قد يُسمع مسؤولو أوباما بمجلس الأمن القومي يذكرون الزوار بوضوح بأن الأغلبية العظمى من مختطفي طائرات 11 سبتمبر لم يكونوا إيرانيين، بل سعوديين – وأوباما نفسه ينتقد كراهية المرأة في السعودية تحت رعاية الدولة، حيث يقول سرًا، "لا تستطيع دولة أن تعمل في العالم الحديث بينما تقمع نصف شعبها". وفي اجتماعات مع قادة أجانب، قال أوباما، "يمكنك قياس مدى نجاح مجتمع من خلال كيفية معاملته للمرأة".

إحباط أوباما تجاه السعوديين يغذي تحليله لسياسات القوة بالشرق الأوسط. ففي ذات مرة أخبرته أنه أقل ترجيحًا من سابقيه أن ينحاز بشكل بديهي لصف السعودية في نزاعها مع خصمتها، إيران. ولم يختلف معي في ذلك.

عقّب الرئيس: "منذ عام 1979، كانت إيران عدوة للولايات المتحدة، وشاركت في الإرهاب الذي ترعاه الدولة، وتشكل تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل وللعديد من حلفائنا، وتشارك في جميع صور السلوكيات المدمرة. ولكنني لم أر أبدًا أننا يجب أن نلقي بحلفائنا التقليديين – السعوديين – وراء ظهورنا لصالح إيران".

لكنه أضاف أن السعوديين يحتاجون إلى "تشارك" الشرق الأوسط مع خصومهم الإيرانيين. إذ قال: "المنافسة بين السعوديين والإيرانيين – التي ساعدت في تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن – تلزمنا بمصارحة أصدقائنا وكذلك الإيرانيين بأنهم يحتاجون للتوصل إلى طريقة لتشارك المنطقة وتأسيس نوع من السلام البارد".

وتابع: "سيعني أن نقول لأصدقائنا: "أنتم محقون، إيران هي مصدر جميع المشكلات، وسندعمكم في التعامل معها" جوهريًا أن تستمر تلك الصراعات الطائفية في تأججها، ولا يمتلك شركائنا الخليجيين، أصدقائنا التقليديين، القدرة على إخماد تلك النيران بأنفسهم أو على الانتصار بشكل حاسم بمفردهم، ما سيستلزم تدخلنا واستخدامنا لقوتنا العسكرية لتصفية الحسابات. ولن يصب ذلك لا في مصلحة الولايات المتحدة ولا في مصلحة الشرق الأوسط".

Share this:

0 comments:

Post a Comment