قصة قصيرة طويلة

ذلك الشاعر المحبب، يكتب الأبيات لا يلقي لها بالًا، ربما كتبها وفكر في أن يمزق صفحتها، لكنه لم يفعل، وبطريقة ما، نجحت الأبيات المشحونة في بلوغ هدفها، فتهوي الأبيات على قلبي المسكين كما تسقط المطرقة دفعًا على الحجر الرملي المسكين، بالتأكيد لم يختر الحجر بيته، لكنه كان، كحالي في معظم الأحيان، في الزمان أو المكان الخاطئ، لم يدر الحجر المسكين أنه جزء من أدوارٍ زائدة يبغضها جبابرة الحي البيروقراطيون، ولا غضاضة في ذلك جزئيا، فهذه الأدوار تهوي بكامل البناء على رؤوس ساكنيها المساكين، أما النصف الآخر الخاوي من الكوب، ألا مشكلة لديهم في ذلك، فقط على الحوت المالك أن يرمي لهم سمكةً ليسدوا بها رمق جشعهم. يأتي الجبار الصغير، الذي يعمل لدى الجبابرة الكبار، ليقوم بالمهمة، فيحمل مرزبته ويرفعها بحماس غير المكترث بعواقب مغامرته، ويهوي بها على كتف الحجر المسكين فيدفعه عن ذلك الدور العالي ليسقط الحجر متألمًا فيتفتت كأنما برء حاله، ليرتاح أخيرًا من ذلك الصراع الداخلي المرير..

لا أدري لماذا فعلت أبيات الشاعر المحبب نقيض ذلك بقلبي. يبدو كما لو أن الأمر يحدث بالعكس معه، هذا القلب يوم وقّعت على استلامه وأخبرني الملاك مساعد الرب أنه عهدتي في هذه الدنيا، وأنه يجب أن أحفظه كما أحفظ قلبي، كان بارئً من كل سوء، لكنني في كل مرةٍ مررت ببلدة، أمر عبر أحد الجسور المغوية، الذي أكتشف لاحقًا أنه فخٌ نصبه سكان البلدة ليجذبوا المغفلين أمثالي، فأقع في كل مرة في شركٍ نصبه سكان بلدة ما، أدخل البلدة حاملًا قلبي في يد وسيفي في الأخرى، لكن من قال إن الشجاعة تكفي. أقف بانتباه جندي وبرقبة بومة ليلية، أرى هذه الجميلة تأخذني من بعيد بعينيها، أين هؤلاء الجبناء؟! لابد أنهم قد رحلوا، أو خرجوا للحرب، ومن يخرجون للحرب لا يعودون، أو لا يعودون كما خرجوا على الأقل، لكن المهم أنهم تركوا لي الجميلة، أضحك ضحكة المنتصر على هؤلاء الكرام المغفلين، لا بد أنهم سمعوا عن بطولاتي التي لم أظفر بها، والخاسر ليس لديه ما يخسره، فآثروا اتقاء شري..

 أركض إلى الجميلة، التي انزوت وراء الجدار، لا بد أنها ستقودني إلى بيتها، ألهث ورائها، انتظري أيتها الجميلة..

 يقولون إن أنثى أحد أنواع العناكب تقتل ذكرها بعد أن ينكحها، لكننا لسنا عناكب، وأنا لم أدخل عش العناكب، لا بد أنني أخطئت المنزل مجددًا، فأنا أبرع دائمًا في دخول أعشاش الدبابير، والحداء التي لا ترمي كتاكيتًا، ربما يفسر هذا غياب بعض أجزاء ملابسي، وأجزائي، ففي النهاية، الحدأة لا ترمي الكتاكيت..

 كنا نجلس أربعتنا، أنا وأصدقائي الثلاثة، والكتاكيت بالطبع، بينما خرجت الحدأة في مهمة عمل وتركتنا نستعد لنؤكل بعد يوم عملٍ شاق، بملابسنا الداخلية، حاولنا خلق حديث مع الكتاكيت الجميلة المتوحشة، هذا كتكوت ينقر حمالة صدر صديقتي، لا بد أنها علامة سيئة، يبدو ذلك معادلًا لعجز أحدهم عن فك حمالة صدر رفيقته، بالتأكيد هي علامة سيئة، تبًا لم يكن من المفترض أن أستيقظ اليوم، أو أن أدخل هذا العش بالذات، أجد نفسي عالقًا في لعاب الأدرينالين الذي أغرق العش، وهذه دعوة أخرى للحدأة لتعذبنا قبل أن يفتك أطفالها غير الشرعيين بنا، بالتأكيد هناك حل ما، لا بد أن كل هذه الأعاصير برأسي حلول تعقدت ببعضها البعض، حسنا سأهدأ لأفكك هذه الخيوط وبالتأكيد سأفصّل الحلول..

أصدقائي منهمكون في حماية ملابسهم الداخلية وحمالات صدورهن، أيها الأغبياء ما نفع الملابس الداخلية والحمالات أمام مناقير الكتاكيت! وجدتها! إنه بوبوص، هذا الصوص الجميل الذي اشترته لي أمي قبل عشرة برتقالات، بالتأكيد تألف الصيصان الكتاكيت وإن حكيت لهم قصة صديقي بوبوص سيرفضون أكلنا، صحيح أن أمي أعدته لنا غداءً ذات يوم بعدما كبر، لكنني لم أكن أعرف أنها ستذبح صغيري بوبوص، اللعنة إنها الكارما الشرموطة، بالأمس أكلنا بوبوص اليافع على مأدبة غداء، واليوم يأكلنا أولاد الشرموطة، حسنًا هذه بالتأكيد علامة وجوب الاستسلام لمصيرنا، أحب اتباع الإشارات، كم أود أن أحكي عن مواقفي الكثيرة مع الإشارات الوحيوية! لكن ليس في دقائق حياتي الأخيرة بالتأكيد، ربما ليس اليوم. هذه هي النهاية إذن..

مهلًا! ماذا لو قفزنا عن العش؟ لا أعلم قدر ارتفاعنا عن الأرض لكن ما همنا إن كان الموت مآلانا في الحالتين. مجددًا، الخاسر ليس لديه ما يخسره. يا لنا من أغبياء، بالتأكيد هو الخوف الذي جمّد الدماء في عروقنا ومنعنا من التفكير، تشبثوا بملابسكم الداخلية وحمالات صدوركن، سنهبط هنا. جعلتهن يخلعن حمالات صدورهن لنستخدمها كمناطيد، وما أجمل من الهبوط وسط أثداء الفتيات المتلاعبة، حسنًا هذه ميتة لا بأس بها، أنا مستعد..
كانت رحلة الهبوط طويلة، لكننا وصلنا أخيرًا، يبدو مهبطنا كحجر، من ذلك النوع الرملي المسكين الذي أعرفه، يبدو هذا كدورٍ من تلك الأدوار الزائدة، احا، لماذا يرفع هذا الجبار الصغير مرزبته قبالة الحجر الرملي المسكين، احا..

Share this:

0 comments:

Post a Comment