Mahmoud Aly's

Home Archive for 2016


*توبياس ستون
23 يوليو 2016 | المادة الأصلية

يبدو أننا بصدد دخول حلقة جديدة من تلك المواسم الحمقاء التي يفرضها البشر على أنفسهم لفتراتٍ منتظمة إلى حد ما. أرسم في هذا المقال معالم لآراء مبنية على معلومات، قد تثبت صحتها، أو خطئها، ويقصد بها فقط الاشتباك ضمن حوارٍ أوسع تكون هذه المعلومات جزءً منه.

تعتمد خلفيتي العلمية على علم الآثار، كذلك علم التاريخ والأنثروبولوجيا. يقودني ذلك إلى النظر لأنماطٍ تاريخية كبيرة. تنص نظريتي على أن رؤية معظم الشعوب للتاريخ محدودة بالخبرات التي رواها لهم آبائهم وأجدادهم، أي ما بين 50 إلى 100 عام. للاطلاع على ما يتجاوز ذلك يفترض أن تقرأ، تدرس وتتعلم استجلاء البروبجاندا الحتمية في جميع روايات التاريخ. بإيجاز، قد أرسب في ورقة بحثية إن لم أقارن بين وجهتي نظر متعارضين على الأقل، إن لم تكن ثلاث، بشأن الموضوع محل البحث. فتبنّي روايةٍ واحدة للأحداث دون شكوك لا يعد مقبولًا في المنهج التحليلي للبحوث المقارنة التي تشكل جوهر الأكاديمية البريطانية. (لا أستطيع الجزم بالنسبة للنظم الأخرى، لكنها بالتأكيد ليست جميعها على حد سواء في هذا الصدد).

بالنظر إلى المشهد الأكبر نجد أننا، البشر، لدينا عادة الدخول في فترات من الدمار الشامل، والتي نفرضها عادة على أنفسنا إلى حد ما. تشمل هذه القائمة المفيدة جميع الحروب على مر الزمان. الحروب هي في الواقع القاعدة بالنسبة للبشر، لكن بين الحين والآخر يتبلور شيء ما كبير.. أنا مهتم بالموت الأسود (انتشار الطاعون في أوروبا)، الذي دمر أوروبا. تصف افتتاحية كتاب Decameron للكاتب الإيطالي بوكاتشيو مدينة فلورنسا في قبضة الطاعون. الأمر أبعد من الخيال كحال معركة سوم، هيروشيما والهولوكوست. أقصد أنه لا يمكنك حرفيًا وضع نفسك هناك وتخيل ما كانت عليه تلك الأحداث. أما بالنسبة لمن كانوا بين أنياب الوباء، فلا بد أنه بدا كنهاية العالم.

لكن إحدى السمات المميزة للبشر هي مرونتهم. بالنسبة لنا الآن يبدو واضحًا أننا قد نجونا من الطاعون، لكن بالنسبة لهم لا بد أنه كان من غير القابل للتصديق أن يستمر مجتمعهم بعد ذلك. بالفعل، ينطوي العديد من التصورات عن تأثيرات الموت الأسود على أنه كان له أثر إيجابي على المدى الطويل. توجز بشكل جيد في الآتي: "عبر استهداف الأشخاص الضعفاء من جميع الأعمار، وقتلهم بمئات الآلاف خلال فترة قصيرة للغاية، ربما مثّل الموت الأسود قوة عظيمة من الانتقاء الطبيعي، والتي قضت على أضعف الأفراد على نطاق واسع للغاية داخل أوروبا" ... علاوة على ذلك، غيّر الموت الأسود بشكل كبير الهيكل الاجتماعي لبعض المناطق الأوروبية. فقد خلق تناقص تعداد السكان نقصًا في القوة البشرية العاملة. تسبب هذا النقص في ارتفاع الأجور، وانخفاض أسعار المنتجات أيضًا. وبالتالي، ارتفعت مستويات المعيشة. على سبيل المثال، بدأ السكان في استهلاك طعام أكثر بجودةٍ أعلى".

لكن بالنسبة لمن مروا بهذه التجربة، كذلك الحروب العالمية، المجاعات السوفيتية والهولوكوست، لا بد أنه بدا من غير المعقول أن البشر يستطيعون تجاوزها والنهوض. انهيار الامبراطورية الرومانية، الموت الأسود، محاكم التفتيش الإسبانية، حرب الثلاثين عامًا، حرب الوردتين، الحرب الأهلية الانجليزية... وتطول القائمة بأحداث الدمار الشامل التي تعافت منها البشرية وتابعت مسارها، عادة بشكل أفضل.

على مستوى محلي في تلك الفترات يشعر الناس بأن الأمور على ما يرام، ثم تخرج الأمور عن السيطرة بسرعة حتى تصبح غير قابلة للإيقاف، لنوقع دمارًا شاملًا على أنفسنا. بالنسبة لمن يعيشون في خضم هذا، يستعصي عليهم رؤية ذلك وفهمه. لكن بالنسبة للمؤرخين لاحقًا، يبدو الأمر منطقيًا تمامًا، ونرى بوضوح كيف أدى أمرٌ إلى الآخر. خلال الذكرى المئوية لمعركة سوم، أدهشني أنها كانت نتيجة مباشرة لاغتيال أرشيدوق نمساوي في البوسنة. أشكك كثيرًا في أن أيًا ممن عاشوا تلك الفترة فكر في أن قتل فردٍ ملكي أوروبي يؤدي إلى موت 17 مليون شخص.

وجهة نظري هي أن هذه دورة. تحدث مرارًا وتكرارًا، لكن بما أن معظم البشر لديهم منظور تاريخي يتراوح مداه بين 50 و100 عام فإنهم لا يرون أن الأمر يتكرر. مع تبلور الأحداث التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى، كان هناك قليل من العقول اللامعة التي بدأت في التحذير من أن شيئًا كبيرًا كان خاطئً، من أن شبكة المعاهدات في أنحاء أوروبا يمكن أن تؤدي إلى حرب، لكنها رفضت بوصفها هستيرية، مجنونة أو حمقاء، مثلما يحدث دائمًا، والأشخاص الذين يقلقون بشأن بوتين، البريكسيت وترامب يتعرضون للرفض الآن.

ثم بعد الحرب لإنهاء جميع الحروب، حافظنا على مسارنا وخضنا حربًا أخرى. ومجددًا، بالنسبة لمؤرخ، كان يمكن التبؤ بالأمر تمامًا. قد الشعب ليشعر بأنه فقد السيطرة على بلده ومصيره، فيبحث الشعب عن كباش فداء، وقائد كاريزمي يسيطر على المزاج الشعبي ويركز اهتمامه على هذا الكبش. يتبنى خطابًا لا يحمل أي تفاصيل، ويثير الغضب والكراهية. بعد فترة وجيزة تبدأ الحشود في التحرك بشكل متحد، دون أي منطق يقود أفعالها، وتصبح الجموع خارجة عن السيطرة.

كان ذلك هتلر، لكنه كان أيضًا موسوليني، ستالين، بوتين وموجابي، والكثيرين غيرهم. يعد مواجبي مثالًا جيدًا للغاية بهذا الصدد. فقد أثار الغضب الوطني والكراهية تجاه الأقلية البيضاء المالكة للأراضي (التي كانت بالفعل تعرف كيفية إدارة المزارع)، واستولى على أراضيها لإعادة توزيعها على الشعب، في خطوة شعبوية كبيرة أدت في النهاية إلى تداعي الاقتصاد وقطاع الزراعة وتركت الشعب مالكًا للأرض، لكنه جائع. اطلع أيضًا على المجاعات التي صنعها الاتحاد السوفيتي، والمجاعة التي أحدثها الحزب الشيوعي الصيني خلال القرن الماضي مخلفةً قتلى يتراوح عددهم بين 20-40 مليون شخص. يبدو من غير المعقول أن البشر يمكنهم خلق وضع حيث يموت عشرات الملايين من الأشخاص دون سبب، لكننا نفعل ذلك مرارًا وتكرارًا.

لكن في فترة الحدث لا يدرك البشر أنهم يتخذون مسارًا يؤدي بهم إلى حقبة من الدمار. يظنون أنهم محقون، يلقون تشجيعًا من قبل الحشود الغاضبة المستهزِئة، ويتعرض منتقدوهم للسخرية. هذه الدورة، التي شهدناها في عدة أمثلة؛ من معاهدة فيرساي، حتى ظهور هتلر، إلى الحرب العالمية الثانية، يبدو أنها تتكرر ثانية. لكن كما الحال سابقًا، معظم البشر لا يستطيعون إدراك ذلك لأنهم:

1)     ينظرون إلى الحاضر فقط، وليس للماضي أو المستقبل.
2)     ينظرون حولهم مباشرةً، وليس إلى كيفية ارتباط الأحداث ببعضها عالميًا.
3)     معظم البشر لا يقرأون، ولا يفكرون، ولا يردون على الآراء المعاكسة ولا يستمعون إليها.
يفعل ترامب هذا بأمريكا. هؤلاء منّا المراقبين بعض الشيء للتاريخ يمكنهم رؤية ذلك. اقرأ هذا المقال الطويل العبقري في مجلة "نيويورك" لتدرك كيف وصف بلاتو كل هذا، الأمر يحدث تمامًا مثلما توقع. يقول ترامب إنه سوف يجعل أمريكا عظيمة مجددًا، بينما في الواقع هي عظيمة حاليًا، وفقًا لأي إحصاءات تقريبًا. إنه يستخدم العاطفة، الغضب والخطاب بنفس طريقة جميع سابقيه – نرجسي لديه كاريزما يتغذى على الحشود ليصبح أقوى، لينشأ مذهبًا يحيط به. يمكنك لوم المجتمع، السياسيين، الإعلام، على وصول أمريكا إلى مرحلة أصبحت مستعدة فيها لترامب، لكن الصورة التاريخية الأكبر تظهر أن التاريخ بشكل عام يتخذ نفس المسار نحو نفس النهاية كلما أصبح شخص مثله زعيمًا.

على نطاقٍ أوسع من المشهد، نجد أن روسيا دكتاتورية لديها قائد متمتع بالكاريزما يستخدم الخوف والعاطفة لينشئ مذهبًا يحيط به. تحقق ذلك في تركيا أيضًا. كما تتخذ المجر، بولندا وسلوفاكيا ذات المسار، وفي أنحاء أوروبا ينتظر في الصفوف شخصيات ترامبية وبوتينية أخرى، هي في الواقع ممولة من قبل بوتين، وتنتظر الموجة الشعبوية لتحملهم.

ينبغي أن نسأل أنفسنا عما ستكون عليه لحظة الأرشيدوق فرديناند خاصتنا. كيف سيدشن حدث يبدو صغيرًا حقبة من الدمار الشامل. نرى البريكسيت، ترامب وبوتين بشكل منعزل. لكن العالم لا يعمل بهذه الطريقة – فجميع الأحداث مترابطة وتؤثر ببعضها البعض. لديّ أصدقاء مؤيدون للبريكسيت يقولون "حسنًا، ستلقي باللوم على البريكسيت لحدوث ذلك أيضًا؟؟" لكنهم لا يدركون أنه في الواقع، نعم، المؤرخون يتعقبون الخطوط الدقيقة من أحداث تبدو غير ذات صلة وصولًا إلى تحولات اجتماعية وسياسية مثل البريكسيت.

يلهم البريكسيت – وهم مجموعة من الأشخاص الغاضبين فازوا بمعركة – بسهولة مجموعات أخرى من البشر الغاضبين لبدء معركة مشابهة، معززين بواسطة فكرة أنهم قد يفوزوا. يمكن لهذا وحده أن يطلق سلسلة من ردود الأفعار. فالانفجار النووي لا ينتج عن انشطار ذرة واحدة، بل بتأثير الذرة الأولى التي تنشطر متسببة في انشطار ذرات أخرى مجاورة، والتي بدورها تتسبب في انشطار عدة ذرات أخرى. الزيادة الأسية في انشطار الذرات، ومجموع طاقتها، هي القنبلة الفعلية. هكذا بدأت الحرب العالمية الأولى و، للمفارقة، انتهت الحرب العالمية الثانية.

يمثل هذا التصور مثالًا على كيف قد يؤدي البريكسيت إلى حرب نووية:

يتسبب البريكسيت في المملكة المتحدة في إجراء إيطاليا أو فرنسا لاستفتاء مشابه. تفوز لوبان بالانتخابات في فرنسا. تمتلك أوروبا الآن اتحاد أوروبي ممزق. لقد منع الاتحاد الأوروبي، رغم أخطائه المروعة العديدة، نشوب حرب في أوروبا لمدة طويلة غير مسبوقة. كذلك يمثل الاتحاد الأوروبي قوة كبرى في قمع الطموحات العسكرية لبوتين. فقد ضربت العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا اقتصادها بشكل حقيقي، وساعدت في تهدئة هجمات روسيا على أوكرانيا (هناك سبب لتطلع الأشرار الدائم لإضعاف الاتحاد الأوروبي). يفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية ويصبح انعزاليًا، ما يضعف الناتو. وقد قال بالفعل إنه لن يفي بالتزامات الناتو بشكل تلقائي في مواجهة هجوم روسي على دول البلطيق.

في وجود اتحاد أوروبي ممزق، وناتو مثخن، يحتاج بوتين في مواجهة أزمة اجتماعية واقتصادية مستمرة في روسيا إلى إلهاءٍ خارجي آخر ليحشد حوله شعبه. فيموّل نشطاء أقصى اليمين المناهضين للاتحاد الأوروبي في لاتفيا، الذين يخلقون بدورهم سببًا لانتفاضة من قبل اللاتفيين الروس في شرق البلاد (حدود الاتحاد الأوروبي مع روسيا). فترسل روسيا "قوات حفظ سلام" و"شاحنات مساعدات" إلى لاتفيا، مثلما فعلت في جورجيا وأوكرانيا. فيستولي على شرقي لاتفيا مثلما فعل في شرقي أوكرانيا (وللتذكير فإن القرم بها نفس عدد سكان لاتفيا).

ترفض أوروبا المنقسمة، بينما أصبح قادة فرنسا، المجر، بولندا، سلوفاكيا، ودول أخرى مناصرين لروسيا، ومناهضين للاتحاد الأوروبي، وممولين من قبل بوتين، الدعوات لفرض عقوبات أو للرد عسكريًا. الناتو بطيء الاستجابة: فترامب لا يريد لأمريكا أن تشارك، وجزء كبير من أوروبا غير مكترث أو يكبح أي تصرف. فتتقدم روسيا، مع عدم رؤيتها لأي مقاومة حقيقية لأفعالها، نحو لاتفيا، ثم إلى داخل شرقي إستونيا وليتوانيا. تعلن دول البلطيق الحرب على روسيا وتبدأ بالرد، مع تعرضها للغزو ونفاذ خياراتها الأخرى. تتحيز إلى صفها نصف دول أوروبا، تظل دول قليلة على الحياد، وتتحيز دول قليلة إلى صف روسيا. أين تقف تركيا من هذا؟ كيف يستجيب داعش لحرب جديدة في أوروبا؟ من يستخدم الأسلحة النووية أولًا؟

يمثل ذلك واحدًا فقط من تصورات الأرشيدوق فرديناند. وعدد التصورات المحتملة لا نهائي بسبب التعقيد الهائل للأجزاء العديدة النشطة. بالتأكيد العديد منها لا يؤدي إلى حدوث شيء. لكن بناء على التاريخ فإننا مقبلون على فترة أخرى من الدمار، وبناء على التاريخ جميع المؤشرات تدل على أننا بصدد الدخول إلى إحداها.

سوف يأتي الأمر بطرق لا نستطيع رؤيتها، وسوف يخرج عن السيطرة بسرعة شديدة لدرجة عجز البشر عن إيقافه. لكن المؤرخين سوف يسترجعون الأحداث ويجدونها منطقية ويتسائلون كيف أمكننا أن نكون بهذه السذاجة. كيف يمكنني أن أجلس في مقهى لطيف بلندن، أكتب هذا المقال، دون أن أرغب في الهرب. كيف يمكن للناس أن يقرأونه ويصدرون تعليقات رافضة وساخرة عن كيف أن الأشخاص الرافضين للبريكسيت يجب أن يتوقفوا عن التأفف، وكيف يمكننا ألا نلقي بكل اللوم على البريكسيت. آخرون سيقرأون هذا المقال ويهزأون بي لقولي إن أمريكا في حال عظيم، وأن ترامب يمثل هتلر مستقبلي محتمل (نعم أعرف قانون جودوين. لكن مقارنتي تتعلق بقائد كاريزماتي نرجسي آخر يلهب نيران الكراهية إلى أن تخرج عن السيطرة). يسهل القفز إلى استنتاجات تعارض التوقعات المتشائمة بناء على ثقل التاريخ والتعلم. فاز ترامب في مواجهة الجمهوريين الآخرين في مناظرات عبر مواجهة مزاعمهم بإعطائهم ألقاب ورفضهم. إنه طريق سهل لكنه خاطئ.

تجاهل الخبراء والسخرية منهم، مثلما يفعل الناس فيما يتعلق بالبريكسيت وحملة ترامب، لا يختلف عن تجاهل طبيب يأمرك بالتوقف عن التدخين، لتكتشف لاحقًا أنك قد أصبت بنوع سرطان غير قابل للعلاج. أمر صغير يؤدي إلى دمارٍ غير قابل للإيقاف، والذي كان من الممكن الوقاية منه لو كنت فقط استمعت وفكرت قليلًا. لكن البشر يدخنون، ويموتون بسبب ذلك. هكذا يفعل البشر.

لذلك أشعر بأن الأمر كله حتمي. لا أعلم كيف سيكون، لكننا ندخل مرحلة سيئة. ستكون تجربة غير سارة لمن يمرون بها، ربما حتى سيتبين أنها جحيمية وأبعد من الخيال. لكن البشر سيصلون إلى نهايتها، سيتعافون، وسيستمرون. عندها سيكون العرق البشري بخير، بعدما ضربه التغيير، ربما إلى الأفضل. لكن بالنسبة للواقفين على الحافة – آلاف المعلمين الأتراك الذين تعرضوا للفصل للتو، الصحفيين والمحامين الأتراك القابعين بالسجون، المعارضين الروس في معسكرات الاعتقال، الأشخاص المثخنين بالجراح في المستشفيات الفرنسية بعد الهجمات الإرهابية، ولهؤلاء الذين لم يسقطوا بعد، ستكون هذه معركة سوم خاصتهم.

ماذا يمكننا أن نفعل؟ حسنًا، مجددًا، بمراجعة الماضي، على الأرجح ليس لدينا الكثير. فالمفكرون الليبراليون دائمًا ضمن الأقلية. الأشخاص الذين يرون أن المجتمعات المفتوحة، كون الناس لطيفين تجاه بعضهم البعض، تخليهم عن العنصرية، عدم خوض حروب، تمثل طريقة معيشة أفضل، ينتهي بهم الحال عادة بخسارة معاركهم. فهم لا يحاربون بقذارة. وهم مريعون في مناشدة الجماهير. كما أنهم أقل عنفًا، لذلك ينتهي بهم الأمر في السجون، المخيمات والمقابر. يجب أن نحرص على اتحادنا، ينبغي علينا تجنب التيه في الجدال بالحقائق والمنطق، ومواجهة الرسائل العاطفة والغضب الشعبوية برسائلنا المشابهة. يتعين علينا فهم واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. نحن في حاجة إلى تسخير خوف مختلف. فالخوف من حرب عالمية أخرى كاد أن يوقف الحرب العالمية الثانية، لكنه فشل. يجب أن نتجنب الانغلاق على أنفسنا. فداعمو ترامب وبوتين لا يقرأون صحيفة الجارديان، لذلك فالكتابة بها تعد مجرد طمأنة لأصدقائنا. ينبغي علينا أن نجد طريقة لمد جسور التواصل من مجموعاتنا المنغلقة إلى المجموعات المنغلقة الأخرى، أن نحاول عبور الفجوات الاجتماعية الآخذة في الاتساع بشكل غير مسبوق.

*توبياس ستون رائد أعمال، أكاديمي وكاتب.

مقدمة المترجم: مع حلول الأشهر الأخيرة للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، داخل البيت الأبيض، بعد فترتين رئاسيتين، تأخذنا هذه المقابلة المطوّلة التي أجراها معه الصحفي بمجلة "ذي أتلانتك"، جيفري جولدبيرج، إلى رحلة مشوقة خلف كواليس ثمان سنواتٍ من حكم أقوى دولة في العالم، فضّلت تقسيم المقابلة إلى أجزاء حسب القضايا التي تطرقت إليها المقابلة وبعد الجزء الأول والجزء الثاني، ننتقل إلى الجزء الثالث، المتعلق بتعامل أوباما مع فوضى الشرق الأوسط والتمحور حول آسيا، إلى نص المقابلة:

لم يصل أوباما إلى الرئاسة منشغل البال بالشرق الأوسط. فهو أول ابن لمنطقة المحيط الهادئ يصل إلى الرئاسة – ولد في هاواي وتربى هناك، وعاش لأربعة أعوام في أندونيسا – ويركز اهتمامه على تحويل اهتمام أمريكا إلى آسيا.

بالنسبة لأوباما، تمثل آسيا المستقبل. وتستحق أفريقيا وأمريكا اللاتينية، من وجهة نظره، اهتمامًا أكبر بكثير من الذي تحصلان عليه من الولايات المتحدة. وتمثل أوروبا، التي لا يشعر الرئيس نحوها بالرومانسية، مصدرًا للاستقرار العالمي، والتي تتطلب، رغم ما يسببه ذلك من إزعاج له أحيانًا، الدعم الأمريكي. بينما يجب تجنب الشرق الأوسط – وهي المنطقة التي، بفضل ثورة الطاقة الأمريكية، ستحظى قريبًا بقدر ضئيل من الأهمية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.
ليس النفط هو ما يشكل فهم أوباما لمسؤولياته في الشرق الأوسط، بل إحدى الصادرات الأخرى للمنطقة، إنه الإرهاب.

في مطلع عام 2014، قال مستشارو الاستخبارات لأوباما إن داعش له أهمية هامشية. ووفق مسؤولين بالإدارة، أبلغ الجنرال لويد أوستن، الذي كان قائد القيادة المركزية، التي تشرف على عمليات الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، البيت الأبيض أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يتعدى كونه "زوبعة في فنجان".

قادت تلك التحليلات أوباما، في مقابلة مع مجلة "نيويوركر"، إلى وصف كوكبة التنظيمات الجهادية في العراق وسوريا بـ"الفرقة الناشئة" من الإرهابيين. (أخبرني متحدث باسم أوستن، "لم يعتبر الجنرال أوستن أبدًا تنظيم داعش "زوبعة في فنجان"").

ولكن بحلول ربيع 2014، بعد استيلاء داعش على مدينة الموصل بشمالي العراق، توصل الرئيس إلى الاعتقاد بأن الاستخبارات الأمريكية قد فشلت في تقدير خطورة التهديد وأوجه القصور بالجيش العراقي، وتغيرت وجهة نظره. بعد قطع التنظيم لرؤوس ثلاثة مدنيين أمريكيين في سوريا، فقد أصبح واضحًا لأوباما أن هزم التنظيم بات ضرورة أكثر إلحاحًا للولايات المتحدة بالمقارنة بالإطاحة ببشار الأسد.

يذكر المستشارون أن أوباما قد استشهد بلحظة محورية في فيلم The Dark Knight، الذي صدر عام 2008 عن قصة "باتمان"، للمساعدة في توضيح كيفية فهمه لدور داعش، بل وأيضًا لفهم النظام البيئي الأوسع الذي نمى فيها التنظيم. يقول الرئيس: "هناك مشهد في بداية الفيلم يصور اجتماع زعماء عصابات مدينة جوثان. نجح هؤلاء الرجال في إحداث الانقسام بالمدينة. كانوا مجرمين، لكن كان بينهم نوع من النظام. كان لكل منهم منطقته. ثم يظهر "الجوكر" ويضرم النيران بالمدينة كلها. وهنا، يمثل داعش الجوكر. فالتنظيم لديه القدرة على إضرام النيران بالمنطقة بالكامل. لذلك علينا محاربته".

أدى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية إلى تعميق اقتناع أوباما بأن الشرق الأوسط لا يمكن إصلاحه – ليس في فترته، ولا للجيل القادم.

في أربعاءٍ ممطر بمنتصف نوفمبر، ظهر الرئيس أوباما على المسرح بقمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في مانيلا مع جاك ما، مؤسس شركة التجارة الإلكترونية الصينية "علي بابا"، ومخترعة فلبينية عمرها 31 عامًا تدعى عائشة مايجينو. كانت القاعة ممتلئة بالمدراء التنفيذيين الصينيين، قادة الأعمال الأمريكيين، ومسؤولين حكوميين من جميع أنحاء المنطقة. ألقى أوباما، الذي قوبل بترحيب حار، أولًا تصريحات غير رسمية من وراء المنصة، تعلقت بشكل رئيسي بتهديد التغير المناخي.

لم يذكر أوباما الموضوع الذي يشغل بال الكثير من بقية العالم – هجمات باريس التي وقعت قبل خمسة أيام وراح ضحيتها 130 شخص. وصل أوباما إلى مانيلا قبل ذلك بيوم، قادمًا من قمة دول العشرين التي عقدت في أنطاليا بتركيا. وكانت هجمات باريس موضوعًا رئيسيًا للحديث في أنطاليا، حيث أقام أوباما مؤتمرًا صحفيًا مثيرًا للجدل بشكل خاص بذلك الشأن.

كان الصحفيون المسافرون المعتمدون لدى البيت الأبيض يسألون بلا توقف، حيث سأل أحدهم: "ألم يحن الوقت لتغير استراتيجيتك؟"، وأعقب ذلك: "هل لي أن أطلب منك الرد على منتقديك الذين يقولون إن ممانعتك لدخول حرب شرق أوسطية جديدة، وتفضيلك للدبلوماسية على استخدام الجيش، يجعل الولايات المتحدة أضعف ويقوي أعدائنا؟" ثم جاء هذا السؤال خالد الذكر من مراسل شبكة سي إن إن: "أعذرني في اللغة التي ساستخدمها، لكن لماذا لا ننقض على هؤلاء الأوغاد؟"، الذي تبعه سؤال: "هل تظن أنك بالفعل تفهم هذا العدو للدرجة الكافية لتهزمه ولتحمي أرض الوطن؟"
مع تدفق الأسئلة، أصبح أوباما تدريجيًا أكثر انزعاجًا. وصف استراتيجيته لمواجهة داعش بالتفصيل، وكانت المرة الوحيدة التي أظهر فيها عاطفة سوى الاحتقار حين تحدث عن الجدل الناشئ بشأن سياسة اللاجئين الأمريكية. فقد تحول حكام الولايات والمرشحون الرئاسيون الجمهوريون فجأة إلى المطالبة بمنع اللاجئين السوريين من المجئ إلى أمريكا. اقترح تيد كروز قبول السوريين المسيحيين فقط. بينما قال كريس كريستي إن جميع اللاجئين، بمن فيهم "الأيتام دون سن 5 سنوات"، يجب منعهم من الدخول لحين تطبيق إجراءات فحص مناسبة.

بدا ذلك الخطاب مثيرًا لإحباط أوباما بشدة. إذ قال للصحفيين: "عندما أسمع أشخاصًا يقولون، ربما يجب أن نقبل المسيحيين فقط لا المسلمين؛ عندما اسمع قادة سياسيين يقترحون إجراء اختبار ديني للأشخاص الهاربين من بلد مزقته الحرب. أرى أن ذلك ليس ما تفعله أمريكا. لا يعبر ذلك عنّا. لا نُجري اختباراتٍ دينية لتعاطفنا".

غادرت الطائرة الرئاسية أنطاليا وبلغت مانيلا بعد 10 ساعات. عند ذلك، توصل مستشارو الرئيس، وفق أحد المسؤولين، إلى فهم أن "الجميع في الوطن فقدوا عقولهم". فقد بحثت سوزان رايس، في محاولة لاستيعاب القلق المتزايد، بتلفاز الفندق عن قناة سي إن إن، لكنها وجدت قناتي بي بي سي وفوكس نيوز فقط. فتأرجحت بين القناتين في محاولة لفهم سبب القلق، حسبما أخبرت المسافرين معها.

لاحقًا، سيقول الرئيس أنه فشل في تقدير الخوف الذي عاشه الكثير من الأمريكيين بشأن احتمالية حدوث هجوم على نسق باريس في الولايات المتحدة. لقد أعاقه السفر الطويل، الجدول الممتلئ، وإرهاق الرحلات الطويلة الذي يغلف رحلة رئاسية حول العالم. ولكنه لم يعتقد أبدًا أن الإرهاب يشكل تهديدًا على أمريكا بشكل يتناسب مع قدر الخوف الذي يولده. حتى خلال الفترة من عام 2014 حين أعدم داعش المختطفين الأمريكيين في سوريا، كان يكبح مشاعره.

فاليري جاريت، أقرب مستشارة لأوباما، أبلغته أن الشعب كان قلقًا من أن التنظيم قد ينقل قريبًا حملته لقطع الرؤوس إلى الولايات المتحدة. فطمأنها: "لن يأتوا إلى هنا ليقطعوا رؤسنا". ويذكر أوباما فريقه مرارًا بأن الإرهاب يقضي على أرواح أقل بكثير في أمريكا من ضحايا الأسلحة اليدوية، حوادث السيارات، والسقوط في حمامات السباحة.

منذ عدة سنوات، عبر لي عن إعجابه بـ"مرونة" الإسرائيليين في مواجهة الإرهاب المستمر، ومن الواضح أنه سيود أن يرى تلك المرونة تحل محل الذعر في المجتمع الأمريكي. ومع ذلك، يخوض مستشاروه معركة دفاعية مستمرة لمنع أوباما من وضع الإرهاب فيما يعتبره منظوره "الملائم"، خوفًا من أنه سيبدو غير مستشعر لمخاوف الشعب الأمريكي.

أوباما ووزير الخارجية، جون كيري، يتابعان أثناء اجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المؤتمر العالمي لتغير المناخ في ديسمبر 2015 بباريس. (كيفين لامرق/رويترز)
يتسرب الإحباط وسط مستشاري أوباما إلى البنتاجون ووزارة الخارجية. فجون كيري يبدو أكثر قلقًا بالنسبة لداعش من الرئيس نفسه. وفي الآونة الأخيرة، عندما سألت وزير الخارجية سؤالًا عامًا – هل لازال الشرق الأوسط مهمًا للولايات المتحدة؟ - أجاب عبر الحديث بشكل حصري عن داعش. حيث قال: "إنه تهديد للعالم أجمع"، إنه تنظيم "ملتزم علنًا بتدمير من يعيشون في الغرب وفي الشرق الأوسط. تخيل ما قد يحدث في حال لم نقاتلهم، إن لم نقد تحالفًا، مثلما نفعل حاليًا. إن لم نفعل ذلك، كنت لتشهد سقوط بعض حلفائنا وأصدقائنا. كنت لترى موجة نزوح جماعي إلى أوروبا، ما سيدمر أوروبا ويقود إلى خرابها التام، وسينهي المشروع الأوروبي، وسيهروب الجميع للاحتماء. إنها الثلاثينيات تحدث أمامك مجددًا، مع اندفاع القومية والفاشية وأمور أخرى. بالتأكيد الأمر مهم بالنسبة لنا، بل مهم للغاية".

عندما أخبرت كيري أن لهجة الرئيس لا تطابق لهجته، قال: "يرى الرئيس أوباما كل هذا، لكنه لا يركز عليه، ويعتقد أننا نسير على الطريق الصحيح. لقد صعّد جهوده. لكنه لا يحاول خلق هستيريا ... أظن أن الرئيس يميل دائمًا لمحاولة إبقاء الأمور في نصابها الصحيح. وأنا أحترم ذلك".

يعدّل أوباما نقاشه حول الإرهاب لأسباب عدة؛ فهو سبوكي (نسبة للفيلسوف بنيامين سبوك) بطبيعته. ويعتقد أن كلمة في غير محلها، نظرة خوف، أو زعمٌ مبالغٌ فيه غير مدروس قد يدفع البلاد نحو حالة من الذعر. وأكثر نوع يقلقه من الذعر يتجلى في صورة رهاب الأجانب المعادي للمسلمين أو في صورة تحدٍ للانفتاح الأمريكي وللنظام الدستوري.

يصاب الرئيس بالإحباط لأن الإرهاب يستمر في إغراق أجندته الأكبر، خصوصًا مع ارتباطها بإعادة موازنة الأولويات العالمية لأمريكا. وطوال سنوات، كان "التمحور حول آسيا" أولوية قصوى لديه. حيث يعتقد أن المستقبل الاقتصادي يكمن في آسيا وأن التحدي الذي تشكله الصين يتطلب انتباهًا مستمرًا. ومنذ أيامه الأولى في منصبه، ركز أوباما على إعادة بناء العلاقات، الرثة أحيانًا، بين الولايات المتحدة وشركائها الآسيويين، ويبحث على الدوام عن فرص لجذب الدول الآسيوية الأخرى إلى المدار الأمريكي. فكان انفتاحه المثير على بورما أحد تلك الفرص؛ وتمثلت فرص أخرى في فيتنام والكوكبة الكاملة من دول جنوب شرق آسيا الخائفة من الهيمنة الصينية.

في مانيلا، بقمة "أبيك"، كان أوباما عازمًا على إبقاء الحديث مركزًا على تلك الأجندة، وليس على ما اعتبره التحدي الذي يمكن احتوائه الذي يشكله داعش. أخبرني وزير دفاع أوباما، آشتون كارتر، منذ فترة ليست بطويلة أن أوباما قد حافظ على تركيزه على آسيا، حتى مع استمرار تأجج الصراعات في سوريا والشرق الأوسط. وأضاف كارتر أن أوباما يعتقد أن آسيا "هي الجزء من العالم الذي يحمل أعظم التبعات للمستقبل الأمريكي، وأنه لا يوجد رئيس يستطيع إبعاد ناظريه عن ذلك". وتابع، "إنه يسأل باستمرار، حتى في وسط كل شيء آخر، "أين وصلنا في إعادة موازنة آسيا والمحيط الهادئ؟ أين نحن من حيث الموارد؟ لقد كان متابعًا بشدة لذلك الشأن، حتى في فترات التوترات بالشرق الأوسط".

بعد أن أنهى أوباما عرضه بصدد التغير المناخي، انضم إلى ما ومايجينو، الذين جلسا على مقعدين قريبين، حيث كان أوباما يستعد لإجراء مقابلة معهما على طريقة مقدمي البرامج الحوارية النهارية – وهو أسلوب بدا محدثًا للحظة من الدوار الذي قلب الوضع وسط جمهورٍ غير معتاد على مثل ذلك من قادته. بدأ أوباما بطرح سؤالٍ على ما عن التغير المناخي. وكما هو متوقع، اتفق ما مع أوباما على أنها مشكلة مهمة جدًا. ثم تحول أوباما إلى مايجينو.

ما كان العمل بمختبر في خبايا الجناح الغربي من البيت الأبيض ليخرج شخصًا مصمَمًا بخبرة لينال إعجاب أوباما المتقلب أكثر من مايجينو، إنها مهندسة شابة اخترعت، بمساعدة أخيها، مصباحًا يعمل بشكل ما بالمياه المالحة.
فسألها أوباما: "فقط من أجل التوضيح يا عائشة، يمكن لجهازك أن يوفر حوالي 8 ساعات من الإضاءة ببعض الماء المالح، صحيح؟"
فردت: "ثمان ساعات من الإضاءة".
فتابع: "والمصباح تكلفته 20 دولار..."
مايجينو: "حوالي 20 دولار".

فقال أوباما: "أظن أن عائشة تعد نموذجًا مثاليًا عما نراه في دول كثيرة – رواد أعمال شباب يتوصلون إلى تكنولوجيات واثبة، على غرار أنه في أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا، لم تُركب الخطوط الأرضية أبدًا"، لأن تلك المناطق وثبت مباشرة إلى استخدام الهواتف المحمولة. فشجع أوباما ما لتمويل أعمالها. وقال أوباما ضاحكًا: "لقد فازت بالكثير من الجوائز وحصلت على الكثير من الاهتمام، لذلك فالأمر ليس أشبه بتلك الإعلانات التي تشتري منتجاتها ثم تكتشف أن الجهاز لا يعمل".

في اليوم التالي، على متن الطائرة الرئاسية في طريقها إلى كوالا لمبور، أخبرت الرئيس أنه قد بدا سعيدًا بحق لوجوده على المسرح مع ما ومايجينو، ثم تحولت عن آسيا وسألته إن كان هناك أي شيء بالشرق الأوسط بجعله سعيدًا.
فرد: "حاليًا، لا أظن أن الوضع بالشرق الأوسط يسعد أحد. هناك دول تفشل في توفير الازدها والفرص لشعوبها. هناك فكر متطرف وعنيف، أو أفكار، تشحن بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هناك دول بها القليل جدًا من التقاليد المدنية، لذلك حين تبدأ الأنظمة الاستبدادية في التمزق، تتبقى المبادئ التنظيمية الطائفية فقط".

وتابع، "تجد النقيض من ذلك في جنوب شرق آسيا، التي لا يزال بها مشكلات ضخمة – مستويات ضخمة من الفقر، الفساد – لكنها ممتلئة بالأشخاص المكافحين والطموحين الذين يناضلون بشكل يومي لبناء الأعمال والحصول على التعليم وبناء البنية التحتية. يبدو التباين صارخًا جدًا".

في آسيا، كما الحال في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وفق أوباما، يرى شبابًا يتوقون إلى تحسين الذات، الحداثة، التعليم، والثروة المادية. "لا يفكرون بشأن كيفية قتل الأمريكيين. بل يفكرون بشأن كيفية الحصول على تعليم أفضل، كيفية خلق شيء له قيمة".

ثم قدم ملاحظة أدركت أنها تمثل فهمه الأتعس والأعمق للشرق الأوسط اليوم – ليس نوع الفهم الذي قد يُروج له من قبل البيت الأبيض، الذي لا يزال موجهًا نحو مواضيع مثل الأمل والتغيير. "إن لم نتحدث معهم فإننا نضيع الفرصة"، حسبما قال في إشارة إلى الشباب من آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وتابع: "لأن الأمر الوحيد الذي نفعله هو محاولة التوصل لكيفية تدمير أو تطويق أو السيطرة على الأجزاء العنيفة، العدمية، الشريرة من البشرية".

يقول منتقدو أوباما إن الرئيس غير فعال في تطويق عدميي الإسلام الراديكالي العنيفين لأنه لا يفهم طبيعة التهديد. بالفعل يقاوم أوباما تفسير الإسلام الراديكالي عبر منظور "صراع الحضارات" الذي نشره أستاذ العلوم السياسية الراحل صموئيل هنتنجتون. ولكن ذلك يعود لرغبته، حسبما يقول هو ومستشاريه، عدم تضخيم حجم الخطر. وعلق جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية: "لا يكمن الهدف في إلباس ذلك الصراع ثوبًا هنتنجتونيًا".

تحدث فرنسوا هولاند وديفيد كاميرون بشأن تهديد الإسلام الراديكالي بلغة أكثر هنتنجتونية، وقد سمعت أن كلاهما يتمنى أن يستخدم أوباما لغة أكثر وضوحًا عند الحديث بشأن التهديد. عندما أبلغت أوباما بهذا قال، "هولاند وكاميرون استخدما عبارات مثل "الإسلام الراديكالي"، والتي لم نستخدمها بشكل منتظم كوسيلة لاستهداف الإرهاب. ولكن لم يحدث قط أن قالوا لي، "كيف لا تستخدم هذه الجملة كما تسمع الجمهوريين يقولونها""، يقول أوباما أنه قد طالب القادة المسلمين بفعل المزيد للقضاء على تهديد الأصولية العنيفة. "ما أقصده واضح جدًا، وهو أن هناك تفسير عنيف، راديكالي، متعصب وعدمي للإسلام يتبناه فصيل – فصيل ضئيل – وسط المجتمع المسلم، وذلك الفصيل هو عدونا الذي يجب هزمه".

ثم قدم نقدًا بدا أكثر توافقًا مع لغة كاميرون وهولاند. إذ قال: "هناك أيضًا حاجة للإسلام ككل ليواجه ذلك التفسير، ويعزله، ويجري نقاشًا قويًا داخل مجتمعهم بشأن كيفية توظيف الإسلام كجزء من مجتمع حديث ومسالم". ولكنه أضاف، "ما كنت لأحث المسلمين المسالمين والمتسامحين على المشاركة في هذا الجدال، إن لم أكن مستشعرًا لقلقهم بشأن وسمهم مع المتطرفين".
أوباما ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في واشنطن العاصمة، أبريل 2015 (بيت سوزا/البيت الأبيض)
في لقاءات خاصة مع قادة عالميين آخرين، قال أوباما إنه لن يكون هناك حلٌ شاملٌ للإرهاب الإسلامي حتى يوفق الإسلام ذاته مع الحداثة ويجري بعضًا من الإصلاحات التي غيرت المسيحية.

رغم أنه قد قال، على نحو مثيرٍ للجدل، إن صراعات الشرق الأوسط "ترجع إلى آلاف السنين". كما يعتقد أن غضب المسلمين المكثف خلال السنوات الأخيرة قد شُجع من قبل دول تعتبر صديقة للولايات المتحدة. ففي اجتماع أثناء قمة "أبيك" مع مالكولم تيرنبول، رئيس الوزراء الأسترالي الجديد، وصف أوباما كيف أنه راقب أندونيسيا تتحول تدريجيًا من إسلامٍ متسامح وتوفيقي إلى تفسيرٍ أكثر تعصبًا وتشددًا؛ كما لاحظ أن عددًا كبيرًا من النساء الأندونيسيات أصبحن يرتدين حجاب الرأس الإسلامي.

سأل تيرنبول، لماذا حدث ذلك؟

فأجاب أوباما، لأن السعوديين ودول الخليج العربية الأخرى دفّقوا الأموال، وأعدادًا كبيرة من الأئمة والمعلمين، إلى أندونيسيا. وفي التسعينيات، موّل السعوديون بشدة المدارس الدينية والندوات التي تعلّم النسخة الأصولية من الإسلام المفضلة من قبل العائلة السعودية الحاكمة. واليوم، وفق أوباما، أصبح الإسلام في أندونيسيا عربي التوجه أكثر مما كان عليه عندما عاش هو هناك.

رد تورنبول: "أليس السعوديون أصدقائك؟"
فأجاب أوباما: "الأمر معقد".

دائمًا ما كان صبر أوباما على السعودية محدودًا. ففي أول تعليق هام له بشأن السياسة الخارجية، ضمن خطاب عام 2002 في الحشد المناهض للحرب بشيكاجو، قال: "هل تريد معركة أيها الرئيس بوش؟ فلنقاتل لضمان وقف من يسمون حلفائنا في الشرق الأوسط – السعوديون والمصريون – لظلم شعوبهم، قمع المعارضة، والتسامح مع الفساد وعدم المساواة". وفي البيت الأبيض حاليًا، قد يُسمع مسؤولو أوباما بمجلس الأمن القومي يذكرون الزوار بوضوح بأن الأغلبية العظمى من مختطفي طائرات 11 سبتمبر لم يكونوا إيرانيين، بل سعوديين – وأوباما نفسه ينتقد كراهية المرأة في السعودية تحت رعاية الدولة، حيث يقول سرًا، "لا تستطيع دولة أن تعمل في العالم الحديث بينما تقمع نصف شعبها". وفي اجتماعات مع قادة أجانب، قال أوباما، "يمكنك قياس مدى نجاح مجتمع من خلال كيفية معاملته للمرأة".

إحباط أوباما تجاه السعوديين يغذي تحليله لسياسات القوة بالشرق الأوسط. ففي ذات مرة أخبرته أنه أقل ترجيحًا من سابقيه أن ينحاز بشكل بديهي لصف السعودية في نزاعها مع خصمتها، إيران. ولم يختلف معي في ذلك.

عقّب الرئيس: "منذ عام 1979، كانت إيران عدوة للولايات المتحدة، وشاركت في الإرهاب الذي ترعاه الدولة، وتشكل تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل وللعديد من حلفائنا، وتشارك في جميع صور السلوكيات المدمرة. ولكنني لم أر أبدًا أننا يجب أن نلقي بحلفائنا التقليديين – السعوديين – وراء ظهورنا لصالح إيران".

لكنه أضاف أن السعوديين يحتاجون إلى "تشارك" الشرق الأوسط مع خصومهم الإيرانيين. إذ قال: "المنافسة بين السعوديين والإيرانيين – التي ساعدت في تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن – تلزمنا بمصارحة أصدقائنا وكذلك الإيرانيين بأنهم يحتاجون للتوصل إلى طريقة لتشارك المنطقة وتأسيس نوع من السلام البارد".

وتابع: "سيعني أن نقول لأصدقائنا: "أنتم محقون، إيران هي مصدر جميع المشكلات، وسندعمكم في التعامل معها" جوهريًا أن تستمر تلك الصراعات الطائفية في تأججها، ولا يمتلك شركائنا الخليجيين، أصدقائنا التقليديين، القدرة على إخماد تلك النيران بأنفسهم أو على الانتصار بشكل حاسم بمفردهم، ما سيستلزم تدخلنا واستخدامنا لقوتنا العسكرية لتصفية الحسابات. ولن يصب ذلك لا في مصلحة الولايات المتحدة ولا في مصلحة الشرق الأوسط".


ليون بانيتا (إلى اليسار) يحضر مؤتمرًا صحفيًا بشأن الاستراتيجية العسكرية في يناير 2012. انتقد بانيتا، الذي كان حينها وزير دفاع أوباما، فشل الرئيس في تطبيق الخط الأحمر في سوريا. (أحراز إن قنبري/ أسوشيتد برس).
مقدمة المترجم: مع حلول الأشهر الأخيرة للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، داخل البيت الأبيض، بعد فترتين رئاسيتين، تأخذنا هذه المقابلة المطوّلة التي أجراها معه الصحفي بمجلة "ذي أتلانتك"، جيفري جولدبيرج، إلى رحلة مشوقة خلف كواليس ثمان سنواتٍ من حكم أقوى دولة في العالم، فضّلت تقسيم المقابلة إلى أجزاء حسب القضايا التي تطرقت إليها المقابلة وبعد الجزء الأول، ننتقل إلى الجزء الثاني، المتعلق بكيفية رؤية أوباما للعالم والسياسة الخارجية الأمريكية والشرق الأوسط وأحداث الربيع العربي وما تلاها، إلى نص المقابلة:

كان هدفي خلال محادثاتنا الأخيرة أن أرى العالم من خلال منظور أوباما، وأن أفهم تصوره عما يفترض أن يكون عليه الدور الأمريكي في العالم. يستند هذا المقال على محادثاتنا الأخيرة، التي جرت في المكتب البيضاوي؛ على الغداء في غرفة الطعام؛ على متن الطائرة الرئاسية؛ وفي كوالالمبور أثناء زيارته الأخيرة إلى آسيا في نوفمبر. ويستند أيضًا على مقابلاتي السابقة معه، خطاباته، وتأملاته العامة الغزيرة، بالإضافة إلى محادثات مع كبار مستشاريه للسياسات الخارجية والأمن القومي، القادة الأجانب وسفرائهم في واشنطن، أصدقاء الرئيس وآخرين تحدثوا معه بشأن سياساته وقراراته، وخصومه ونقاده.

خلال محادثاتنا، عرفت أوباما كرئيس أصبح أكثر تشاؤمًا باطراد بشأن القيود على قدرة أمريكا على توجيه الأحداث العالمية، حتى مع مراكمته، في فترة متأخرة من رئاسته، لمجموعة من انجازات السياسة الخارجية التي قد ترقى للوصف بالتاريخية – وهي إنجازات بالتأكيد مثيرة للجدل ومشروطة، ولكنها تظل مع ذلك إنجازات؛ كالانفتاح على كوبا، اتفاقية باريس لتغير المناخ، الاتفاق التجاري للشراكة عبر المحيط الهادئ، وبالتأكيد، الاتفاق النووي الإيراني.

حقق أوباما تلك الإنجازات رغم شعوره المتنامي بأن هناك قوى أكبر تتآمر كثيرًا ضد أفضل النوايا الأمريكية؛ مثل التيار المضاد النابع عن الشعور القبلي، في عالم يفترض أنه تخلص بالفعل من التأسل القبلي؛ مرونة الرجال الصغار الذين يحكمون دولًا بطرق تعاكس مصالحها العليا؛ واستمرار الخوف كشعور إنساني مسيطر. ولكنه أخبرني أيضًا أنه قد توصل إلى إدراك أن القليل فقط يتم إنجازه في الشؤون الدولية دون القيادة الأمريكية.

حدثني أوباما عن هذا التناقض الواضح. حيث قال: "أريد رئيسًا لديه الشعور بأنك لا يمكنه إصلاح كل شيء". ولكن على الجانب الآخر، "إن لم نرسم خططًا، لن يتحقق أي شيء". ثم أوضح ما قصده، "الحقيقة هي أنه ليس هناك أي قمة حضرتها منذ أن أصبحت رئيسًا لم نرسم فيها خططًا، أو لم نكن مسؤولين عن النتائج الرئيسية"، وتابع: "وذلك حقيقي سواء كنت تتحدث عن الأمن النووي، إنقاذ النظام المالي العالمي، أو حتى عن المناخ".

ذات يوم أثناء تناول الغداء بالمكتب البيضاوي، سألت الرئيس كيف يعتقد أن المؤرخين سيفهمون سياسته الخارجية. فبدأ بوصف شبكة مكونة من أربعة مربعات تمثل المدارس الرئيسية لفكر السياسة الخارجية الأمريكية. أسمى أحد المربعات بالانعزالية، ورفضه جملة وتفصيلًا. لأن "العالم يضيق أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن الدفاع عن الانسحاب". بينما سمى المربعات الأخرى: الواقعية، التدخلية الليبرالية، والعالمية. وقال: "أفترض أنك قد تصفني بالواقعي لاعتقادي بأننا لا نستطيع، تحت أي ظروف، أن نقضي على جميع مآسي العالم. بل يجب أن نختار الموضع الذي يمكننا إحداث تأثير حقيقي به". كما أشار إلى كونه مائلًا، بشكل واضح للغاية، إلى العالمية، حيث يكرس جهوده لتعزيز المنظمات متعددة الأطراف والمعايير الدولية.

أخبرته أن انطباعي كان أن الصدمات المختلفة على مر الأعوام السبعة الماضية قد عززت التزامه القوي بالتحفظ القائم على الواقعية. فهل نفرته فترتاه الرئاسيتان في البيت الأبيض من التدخل؟

أجاب: "رغم جميع الندوب على جبهتنا، كانت الولايات المتحدة بوضوح قوة خيّرة في العالم. إن قارنتنا بالقوى العظمى السابقة، تجد أننا نتصرف بشكل أقل على أساس المصلحة الفردية المجردة، ونتطلع إلى ترسيخ عادات تفيد الجميع. ذلك إن كان فعل الخير ممكنًا مقابل ثمن يمكن احتماله، من أجل إنقاذ الأرواح، فسنفعله".

إن لم تحقق أزمة، أو كارثة إنسانية، المعايير الصارمة لما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، حسبما يرى أوباما، فلا يعتقد أنه يجب إجباره على السكوت بشأنها. وهو ليس واقعيًا لدرجة عدم إصداره الأحكام على القادة الآخرين.

ومع ذلك فإنه استبعد حتى الآن استخدام القوة الأمريكية المباشرة للإطاحة بالأسد، بل يرى أنه لم يخطأ عندما دعى الأسد إلى الرحيل. "يحدث كثيرًا عندما تستمع إلى منتقدي سياستنا في سوريا أن تجدهم يقولون "لقد دعوت الأسد للرحيل، ولكنك لم تجبره على ذلك. ولم تغزو سوريا". تقوم حجتهم على أنك إن لم تكن تعتزم الإطاحة بالنظام، فلا يجب أن تبدي موقفًا تجاهه. وتعد تلك الحجة غريبة بالنسبة لي، فكرة أننا إن استخدمنا سلطتنا الأخلاقية لنقول "إنه نظام وحشي، وتلك ليست الطريقة التي يفترض أن يعامل قائد بها شعبه"، نصبح عندها ملزمين بغزو البلاد وتنصيب الحكومة التي نفضلها".
أخبرني أوباما في محادثة لاحقة: "أعتبر نفسي متبنيًا للعالمية إلى حد كبير، كما أؤمن بالمثالية إلى حد ما لاعتقادي بأنه يتوجب علينا تعزيز القيم، كالديمقراطية وحقوق الإنسان والمبادئ، ليس فقط لأن الأمر يصب في مصلحتنا أن يتبنى المزيد من الأشخاص القيم التي نتشاركها – وعلى الصعيد الاقتصادي، إن تبنى شعب سيادة القانون وحقوق الملكية وما إلى ذلك، صب ذلك في مصلحتنا – بل ويجعل ذلك العالم مكانًا أفضل. وأنا مستعد لقول ذلك بطريقة مبتذلة جدًا، بطريقة لن يقولها برينت سكوكروفت على الأرجح.

وتابع: "أما وقد قلت ذلك، فإنني أعتقد أيضًا أن العالم مكان قاس، فوضوي ومنحط، وملئ بالصعوبات والمآسي. وفي سبيل تعزيز مصالحنا الأمنية والمثل العليا والقيم التي نهتم بشأنها، يتعين علينا أن نجمع بين الشدة واللين، وأن ننتقي مواقعنا، وأن ندرك أننا سنمر بمراحل يكون أفضل ما يمكن فعله فيها هو تسليط الضوء على إحدى الفظائع، دون الاعتقاد بأننا نستطيع تلقائيًا حلها. كما ستحل فترات تتعارض فيها مصالحنا الأمنية مع مخاوفنا بشأن حقوق الإنسان. ستأتي أوقات نتمكن فيها من فعل شيء حيال الأبرياء الذين يتعرضون للقتل، ولكن ستمر أوقات أخرى لن نستطيع بها مساعدتهم".
إن كان أوباما قد تسائل مسبقًا عما إذا كانت أمريكا بالفعل هي الدولة الوحيدة التي لا غنى عنها بالعالم، فإنه لم يعد يتسائل. ولكنه رئيسٌ نادر، يبدو أحيانًا مستاءً من حيوية الدور الأمريكي، بدلًا من تعزيزه. إذ أخبرني مؤخرًا أن: "المستغلون يغضبونني"، وقد حذر أوباما مؤخرًا من أن بريطانيا العظمى لن تكون قادرة على المطالبة بـ"علاقة خاصة" مع الولايات المتحدة إن لم تلتزم بإنفاق 2 بالمئة على الأقل من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع. حيث قال لديفيد كاميرون، "يجب أن تدفع حصتك العادلة"، والذي التزم بالدفع لاحقًا.

أوضح أوباما أن جزءً من مهمته كرئيس هو حث الدول الأخرى على التصرف بنفسها، بدلًا من انتظار الولايات المتحدة لتتخذ المبادرة. كما يعتقد أن الدفاع عن النظام العالمي الليبرالي في مواجهة الإرهاب الجهادي، المغامراتية الروسية، والتسلط الصيني يعتمد جزئيًا على مدى استعداد الدول الأخرى لتتشارك العبء مع الولايات المتحدة. لذلك أقلقه الجدل المحيط – الصادر عن مسؤول مجهول بالإدارة لمجلة "نيويوركر" أثناء الأزمة الليبية عام 2011 – حول أن سياسته قامت على "القيادة من الخلف". إذ أخبرني الرئيس: "لا يتوجب دائمًا أن نكون في المقدمة. بل في بعض الأحيان سنحقق ما نسعى إليه بدقة لأننا نتشارك التخطيط. ولكن المفارقة تكمن في أن تلك السياسة هدفت تحديدًا إلى منع الأوروبيين والدول العربية من تركنا نحارب وحدنا، ومع ذلك، نفذنا نحن جميع الأعمال العسكرية هناك، التي أصررنا عمدًا" على أن يقودوها هم أثناء مهمة الإطاحة بمعمر القذافي. "كان ذلك جزءً من الحملة المضادة لاستغلالنا من قبلهم".

يبدو الرئيس أيضًا معتقدًا أن تشارك القيادة مع الدول الأخرى يعد وسيلة لمراجعة الدوافع الأمريكية الأكثر عندًا. حيث أوضح: "أحد أسباب تركيزي بشدة على العمل متعدد الأطراف، حين لا تكون مصالحنا المباشرة على المحك، هو أن التعددية تحجّم الغطرسة". ويذكر أوباما باستمرار ما يعتبرها إخفاقات سابقة لأمريكا في الخارج كوسيلة لمراجعة الاعتداد الأمريكي بالذات. وأضاف: "لدينا تاريخ في إيران، أندونيسيا، وأمريكا الوسطى. لذلك يجب أن نضع تاريخنا في الاعتبار حين نتحدث عن التدخل، وأن نتفهم مصدر شكوك الآخرين".

أوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو في قمة الأمريكتين خلال الربيع الماضي (بيت سوزا/البيت الأبيض)
ضمن جهوده لنقل بعض مسؤوليات السياسة الخارجية الأمريكية إلى الحلفاء، يبدو أوباما متبعًا لسياسة الخندقة الكلاسيكية، على طريقة دوايت أيزنهاور وريتشارد نيكسون. ويقصد بهذه السياسة في هذا السياق "التراجع، خفض الإنفاق، تقليل المخاطر، وتحويل الأعباء إلى الحلفاء"، حسبما أوضح لي ستيفان سيستانوفيتش، خبير السياسة الخارجية الرئاسية بمجلس العلاقات الخارجية. وأضاف: "إن حدث أن انتخب جون ماكين عام 2008، كنا سنظل نتمتع بدرجة ما من الخندقة الآن، إنه ما تريده البلاد. إن وصلت إلى الرئاسة في منتصف حرب لا تسير على ما يرام، تكون مقتنعًا بأن الشعب الأمريكي قد عيّنك لتقلل الأعباء". ويرى سيستانوفيتش أن هناك فارقًا وحيدًا بين أيزنهاور ونيكسون من ناحية، وأوباما من الناحية الأخرى، وهو أن أوباما "يبدو ملتزمًا على الصعيد الشخصي والفكري بفكرة أن السياسية الخارجية قد استهلكت الكثير من انتباه وموارد الدولة".

سألت أوباما بشأن الخندقة. فأجاب: "جميع القوى العظمى تقريبًا استسلمت" للتوسع المفرط. وأضاف: "ما أظن أنه ليس ذكيًا هو فكرة أنه في كل مرة تحدث مشكلة نرسل جيشنا ليفرض النظام. فببساطة، لا يمكننا فعل ذلك".

ولكن بمجرد إدراكه أن تحديًا محددًا يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، أظهر أوباما استعدادًا للتصرف بشكل منفرد. ويعد ذلك أحد أكبر التناقضات في عهد أوباما؛ فقد تشكك دون كلل في مدى فاعلية القوة، ولكنه أصبح أيضًا أنجح صائد للإرهابيين في تاريخ الرئاسة، ويسلم لخليفته مجموعة من الأدوات يحسده عليها أي قاتل بارع.

ويعلق بن رودس: "يطبق أوباما معايير مختلفة لقياس التهديدات المباشرة للولايات المتحدة. على سبيل المثال، رغم شكوكه بشأن سوريا، لم تساوره أي شكوك بشأن استخدام الطائرات بلا طيار. يقول بعض الناقدين إنه كان يتعين عليه أن يفكر مجددًا بشأن ما يعتبرونه استخدمًا مفرطًا للطائرات بلا طيار. ولكن جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد أوباما، أبلغني مؤخرًا أنه والرئيس "لديهما آراء متشابهة. أحد تلك الآراء أنه أحيانًا قد تضطر للتضحية بحياةٍ لتنقذ حيوات أخرى. لدينا وجهة نظر مماثلة تجاه نظرية الحرب العادلة. حيث يشترط الرئيس شبه التيقن من عدم التسبب في أي أضرار ثانوية، لكن إن اعتقد أن التصرف ضروري، فلن يتردد في تنفيذه".

من يتحدثون مع أوباما بشأن الفكر الجهادي يقولون أنه يمتك فهمًا لا تشوبه أي أوهام للقوى التي تحفز العنف الوحشي وسط المسلمين الراديكاليين، ولكنه كان حذرًا من إيضاحه بشكل علني، خوفًا من أن ذلك سيفاقم رهاب الأجانب المعادي للمسلمين. كما أن لديه فهم متسم بالواقعية المأساوية للخطيئة، الجبن، والفساد، وتقديرًا "هوبزيًا" (نسبة لتوماس هوبز) لكيفية تشكيل الخوف للسلوك الإنساني. ومع ذلك فإنه يؤكد باستمرار في تصريحاته، بصدق واضح، على ميل العالم نحو العدل. إنه متفائل بشكل ما على طريقة هوبز.

لا تتوقف التناقضات عند ذلك. فرغم أنه معروف بتوخي الحذر، كان حريصًا أيضًا على التشكك في بعض الافتراضات القديمة التي تقوي فكر السياسة الخارجية الأمريكية التقليدي. وهو مستعد إلى درجة كبيرة للتشكيك في سبب كون أعداء أمريكا أعدائها، أو كون بعض أصدقائها أصدقائها. لقد ألقى بنصف قرن من التوافق بين الحزبين وراء ظهره ليعيد تأسيس العلاقات مع كوبا.
كما تساءل لماذا يتعين على الولايات المتحدة تجنب إرسال قواتها إلى باكستان لقتل قادة القاعدة، وتساءل بشكل خاص لماذا ينبغي على باكستان، التي يرى أنها دولة مختلة وظيفيًا لدرجة كارثية، أن تعتبر حليفة للولايات المتحدة من الأساس، وبحسب ليون بانيتا، تسائل حول سبب وجوب حفاظ الولايات المتحدة على ما يطلق عليه "التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل، الذي يتيح لها الوصول إلى أنظمة تسليحٍ أكثر تقدمًا من نظيراتها لدى الحلفاء العرب لأمريكا؛ ولكنه تسائل أيضًا، وبشكل قاسي عادة، حول دور الحلفاء العرب السنة في إثارة الإرهاب المعادي لأمريكا. فهو منزعج بشكل واضح من أن عقيدة السياسة الخارجية تجبره على معاملة المملكة السعودية كحليفة.

بالتأكيد قرر أوباما في وقت مبكر، في مواجهة الانتقادات الكبيرة، أنه يريد التواصل مع الخصمة الأمريكية الشرق أوسطية الأكثر حماسة، إيران. يثبت الاتفاق النووي الذي عقده مع إيران، على أقل تقدير، أن أوباما ليس متجنبًا للمخاطر. لقد وضع الأمن العالمي وإرثه الرئاسي على المحك برهانه على أن إحدى الدول الرائدة الراعية للإرهاب ستذعن لاتفاق لتقييد برنامجها النووي.

من المفترض، على الأقل بين منتقديه، أن أوباما قد سعى للتوصل للاتفاق الإيراني لأنه لديه رؤية مبنية على التقارب التاريخي الأمريكي الفارسي. ولكن تطلعه إلى الاتفاق النووي تولد من رحم التشاؤم، بقدر ما تولد من رحم التفاؤل. فقد أخبرتني سوزان رايس: "لم يتعلق الاتفاق الإيراني أبدًا بشكل رئيسي بمحاولة بدء حقبة جديدة من العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، بل كان أمرًا أكثر براجماتية واعتدالًا بكثير. كان الهدف ببساطة جعل دولة خطيرة أقل خطرًا بشكل حقيقي. حيث لم يتوقع أحد أن إيران قد تصبح أقل خطرًا".

ذكرت لأوباما ذات مرة مشهدًا من فيلم The Godfather الجزء الثالث، حين تذمر مايكل كورليوني بغضب بشأن فشله في الهروب من قبضة الجريمة المنظمة. وأخبرته أن الشرق الأوسط بالنسبة لرئاسته يشبه المافيا بالنسبة لكورليوني، ثم اقتبست عن آلباتشينو قوله: "بمجرد أن ظننت أنني قد خرجت..."، يكمل أوباما، "تجذبك مجددًا".

قصة مواجهة أوباما مع الشرق الأوسط تتبع مرحلة من خيبة الأمل. ففي موجته الأولى الممتدة من الشهرة، كمرشح رئاسي عام 2008، تحدث أوباما عادة بلهجة آملة بشأن المنطقة. ففي ذلك الصيف ببرلين ، في خطاب أمام 200,000 معجب ألماني، قال: "إنها اللحظة التي ينبغي علينا فيها المساعدة بتلبية نداء الفجر الجديد في الشرق الأوسط".

وفي العالم التالي، بعد أن أصبح رئيسًا، ألقى خطابًا في القاهرة قصد به إعادة تفعيل العلاقات الأمريكية مع مسلمي العالم. تحدث بشأن المسلمين ضمن عائلته، وسنوات طفولته في أندونيسيا، بل واعترف بخطايا أمريكا حتى مع انتقاده للبعض في العالم الإسلامي الذي شيطنوا الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن أكثر ما لفت الإنتباه كان وعده بمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي اعتقد آنذاك أنه مصدر أساسي لقلق المسلمين العرب. وقد أثار تعاطف أوباما مع الفلسطينيين مشاعر الجمهور، ولكنه عقّد علاقته ببنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي – خصوصًا لأن أوباما قرر أيضًا تجنب القدس في زيارته الرئاسية الأولى للشرق الأوسط.

عندما سألت أوباما مؤخرًا عما تطلع إلى إنجازه بخطابه في القاهرة، قال إنه كان يحاول – دون جدوى، حسبما أقر – حث المسلمين على إجراء مراجعة أكثر دقة لجذور تعاستهم.

"نصت حجتي على؛ لنتوقف جميعًا عن الادعاء بأن إسرائيل هي سبب جميع مشكلات الشرق الأوسط"، وتابع، "نريد العمل للمساعدة في إيجاد الدولة والكرامة للفلسطينيين، لكنني كنت آمل أن خطابي قد يثير النقاش، يخلق مساحة للمسلمين لمعالجة المشكلات الحقيقية التي يواجهونها – أي، مشكلات الحكم، وحقيقة أن بعض التيارات الإسلامية لم تجر أي إصلاحات تساعد الناس على تبني عقائد أكثر تكيفًا مع الحداثة. كنت اعتزم إيضاح أن الولايات المتحدة لا تقف في طريق تحقيق ذلك التقدم، وأننا سنمد يد المساعدة، بأي طريقة ممكنة، لتعزيز أهداف أجندة عربية عملية وناجحة توفر حياة أفضل للأشخاص العاديين".

كيف رأى أوباما الربيع العربي والشرق الأوسط؟

خلال الموجة الأولى للربيع العربي، عام 2011، تابع أوباما حديثه المتفائل عن مستقبل الشرق الأوسط، حيث كان أقرب ما يكون إلى تبني ما يعرف بأجندة الحرية الخاصة بجورج دبليو بوش، التي اتسمت جزئيًا بالاعتقاد بأن القيم الديمقراطية يمكن غرسها في الشرق الأوسط. وساوى بين المحتجين في تونس وميدان التحرير، والناشطة الحقوقية الأمريكية روزا باركس، و"وطنيي بوسطن".

"بعد عقود من قبول العالم على حاله في المنطقة، أمامنا فرصة للسعي وراء العالم كما يفترض أن يكون"، حسبما أوضح في خطابٍ آنذاك، وتابع: "تدعم الولايات المتحدة مجموعة من الحقوق العالمية. وتتضمن تلك الحريات حرية التعبير، حرية التجمع السلمي، حرية العقيدة، المساواة بين الرجل والمرأة في ظل سيادة القانون، وحرية اختيار القادة ... دعمنا لهذه المبادئ ليس اهتمامًا ثانويًا".

ولكن على مدار الأعوام الثلاثة التالية، مع تخلي الربيع العربي عن تطلعاته المبكرة، وطغيان الوحشية والضعف على الشرق الأوسط، نمت خيبة أمل الرئيس. وقد تعلق بعض أعمق خيبات أمله بقادة الشرق الأوسط أنفسهم. ومنهم نتنياهو، على طريقته الخاصة؛ فقد اعتقد أوباما طويلًا أن نتنياهو يستطيع تحقيق حل الدولتين، الذي سيحمي مكانة إسرائيل كديمقراطية يهودية الأغلبية، ولكن الخوف الشديد والعجز السياسي يمنعانه من ذلك.

كذلك لم يتحلى أوباما بالكثير من الصبر على نتنياهو والقادة الشرق أوسطيين الآخرين الذين تشككوا في فهمه للمنطقة. ففي أحد اجتماعات نتنياهو مع الرئيس، بدأ رئيس الوزراء إلقاء ما يشبه المحاضرة بشأن مخاطر المنطقة الوحشية التي يعيش فيها، وشعر أوباما أن نتنياهو يتصرف بطريقة متعالية، وكان أيضًا يتجنب الموضوع الأساسي للجلسة؛ مفاوضات السلام.

في النهاية، قاطع الرئيس نتنياهو قائلًا: "بيبي، يجب أن تدرك شيئًا. أنا أمريكي من أصل أفريقي وابن أم عزباء، وأنا أعيش هنا، في هذا المنزل. أعيش في البيت الأبيض. نجحت في أن أصبح رئيسًا للولايات المتحدة. تظن أنني لا أفهم ما تتحدث عنه، ولكنني أفهمه".

كذلك أحبطه قادة آخرون بشدة. ففي فترة مبكرة، اعتبر أوباما رجب الطيب أردوغان، الرئيس التركي، نوع القائد المسلم المعتدل الذي سيرأب الصدع بين الشرق والغرب – ولكن أوباما الآن يعتبره فاشلًا ومستبدًا، يرفض استخدام جيشه الضخم لتحقيق الاستقرار في سوريا. وعلى هامش قمة الناتو في ويلز عام 2014، اجتذب أوباما الملك الأردني، عبد الله الثاني، جانبًا، وأبلغه سماعه أنه قد تذمر إلى أصدقاء في الكونجرس بشأن قيادته، وأخبر الملك أنه إن كانت لديه شكاوى، فيجب أن يبلغه بها مباشرة. ولكن الملك أنكر تحدثه بالسوء عنه.

خلال الأيام الأخيرة، اعتاد الرئيس المزاح سرًا، "كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو القليل من المستبدين الأذكياء". تمتع أوباما دائمًا بولع تجاه التكنوقراطيين البراجماتيين المكتفين عاطفيًا، بحسب ما أخبر مساعديه، "فقط لو يصبح الجميع كالاسكندنافيين، لأصبح الأمر سهلًا".

أدى انهيار الربيع العربي إلى خفض تطلعات الرئيس لما يمكن تحقيقه في الشرق الأوسط، وجعله يدرك إلى أي مدى كانت الفوضى هناك تشتت عن الأولويات الأخرى. "أدرك الرئيس خلال الربيع العربي أن الشرق الأوسط كان يستهلكنا"، وفق جون برينان، الذي شغل منصب كبير مستشاري أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب خلال فترته الرئاسية الأولى.

ولكن ما اختتم رؤية أوباما التشاؤمية كان فشل تدخل إدارته في ليبيا عام 2011. فقد هدف التدخل إلى منع الدكتاتور الليبي آنذاك، معمر القذافي، من ذبح شعب بنغازي، بعد أن هدد بفعل ذلك. لم يرد أوباما الانضمام للقتال؛ ونصحه جو بايدن ووزير دفاعه في فترته الأولى، روبرت جيتس، وآخرون، بأن ينأى بنفسه. ولكن فصيلًا قويًا داخل فريقه للأمن القومي – وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وسوزان رايس، التي كانت في حينها السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، إلى جانب سامانثا باور، بن رودس، وأنطوني بلينكن، الذي كان آنذاك مستشار بايدن لشؤون الأمن القومي – ضغط بقوة لحماية بنغازي، ونجح في مسعاه. (قال بايدن، المنتقد بشدة لأحكام كلينتون في السياسة الخارجية، "تريد هيلاري فقط أن تصبح جولدا مائير"). فسقطت القنابل الأمريكية، ونجى شعب بنغازي من المذبحة المحتملة، وتم الإمساك بالقذافي وإعدامه.

ولكن أوباما يقول اليوم عن التدخل إنه "لم ينجح". ويرى أن الولايات المتحدة قد خططت للعملية الليبية بعناية – ومع ذلك، تظل الأوضاع هناك كارثية.

لماذا، في ضوء ما يبدو كتحفظ طبيعي لدى الرئيس تجاه التورط عسكريًا عندما لا يكون الأمن القومي الأمريكي على المحك بشكل مباشر، قبل بتوصية مستشاريه الأكثر نشاطًا بالتدخل؟

فرد أوباما موضحًا ما دار بذهنه حينها: "لقد انهار النظام الاجتماعي في ليبيا، هناك احتجاجات واسعة ضد القذافي، وهناك انقسامات قبلية داخل ليبيا. وتمثل بنغازي نقطة محورية بالنسبة للمعارضة. ويسيّر القذافي جيشه إلى بنغازي، فقد قال: "سنقتلهم كالجرذان"".

"والآن، يتمثل الخيار الأول في عدم فعل أي شيء، وقد قال بعض أفراد الإدارة، رغم قدر مأساوية الوضع في ليبيا، إنها ليس مشكلتنا. لكنني فكرت في احتمالية أنها ستكون مشكلتنا إن إندلعت الحرب الأهلية والفوضى العارمة في ليبيا. ولكن ذلك لا يقع تحديدًا ضمن صميم المصالح الأمريكية بشكل يبرر لنا ضرب نظام القذافي بشكل منفرد. فعند تلك المرحلة، كانت هناك دعوة للتدخل صدرت عن أوروبا وعن عدد من دول الخليج، الذين يحتقرون القذافي، أو القلقين على أساس إنساني. ولكن جرت العادة خلال العقود الأخيرة في مثل تلك الظروف على أن يدفعنا الناس للتصرف، وعند ذلك لا يظهرون أي استعدادٍ للمجازفة".

فقاطعته: "تقصد المستغلين؟"

فأكد على كلامي وتابع: "قلت عند تلك المرحلة أننا يجب أن نتصرف ضمن تحالف دولي. ولكن لأن ذلك لا يقع في صميم مصالحنا، نحتاج إلى تفويض من الأمم المتحدة؛ نحتاج إلى المشاركة الفعالة من جانب الأوروبيين ودول الخليج في التحالف؛ سنستخدم القدرات العسكرية التي نتميز بها، ولكننا نتوقع أيضًا من الآخرين أن يؤدوا الأدوار المنوطة بهم. وعملنا مع فرقنا للدفاع لضمان أننا نستطيع تنفيذ استراتيجية دون إرسال جنودٍ بريين ودون التزام عسكري طويل الأمد في ليبيا.

"فنفذنا هذه الخطة مثلما توقعت؛ حصلنا على تفويض الأمم المتحدة، بنينا التحالف، الذي كلفنا مليار دولار – ما يعد رخيصًا للغاية عندما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية. كما تجنبنا الخسائر المدنية واسعة النطاق، لقد منعنا ما كان شبه مؤكد أن يصبح نزاعًا أهليًا دمويًا ومطولًا. ورغم كل ذلك، تظل ليبيا ساحةً للفوضى".

"ساحة الفوضى" هو المصطلح الدبلوماسي الذي يستخدمه الرئيس؛ أما سرًا، فيصف ليبيا بـ"معرض الخراء"، جزئيًا لأنها أصبحت لاحقًا ملاذًا آمنًا لداعش – وهو الملاذ الذي استهدفه بالفعل بالضربات الجوية. لقد أصبحت غارقة في الفوضى، حسبما يعتقد أوباما، لأسباب لم تتعلق بعدم الكفاءة الأمريكية، بقدر ما تعلقت بسلبية حلفاء أمريكا وبالقوة العنيدة للقبلية.

يقول أوباما: "عندما استرجع الأمر واسأل نفسي عن الخطأ الذي حدث، أجد أن هناك مساحة لتوجيه الانتقادات، لأنني كان لدي المزيد من الثقة بالأوروبيين، في ضوء قرب ليبيا منهم، وأنهم سيكونون متابعين جيدين لذلك الملف"، وأشار إلى أن نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، فقد منصبه العالم التالي، وتوقف رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بعد فترة وجيزة عن الاهتمام، لأنه "مشتت بفعل مجموعة من الأمور الأخرى". وأضاف أنه بالنسبة لفرنسا، "أراد ساركوزي التباهي بالطلعات التي نفذها في الحملة الجوية، رغم حقيقة أننا هزمنا جميع الدفاعات الجوية وبنينا كامل البنية التحتية" اللازمة للتدخل.

لم ير أوباما مشكلة في ذلك النوع من التباهي لأنه سمح للولايات المتحدة بـ"شراء مشاركة فرنسا بشكل جعل الأمر أقل تكلفة وخطورة بالنسبة لنا". بعبارة أخرى، كان إعطاء فرنسا المزيد من الإشادة مقابل مخاطرة وتكلفة أقل للولايات المتحدة مقايضة مفيدة – باستثناء أنه "من منظور الكثيرين في مؤسسة السياسة الخارجية، كان ذلك مريعًا. فإن كنا سنفعل شيئًا، لابد أن نكون في الطليعة، وألا يشاركنا أحد الأضواء".

ألقى أوباما اللوم أيضًا على المعادلات الداخلية الليبية. إذ قال "كانت درجة الانقسام القبلي في ليبيا أكبر مما توقع محللونا. وانهارت سريعًا جدًا قدرتنا على تدشين أي نوع من النظام هناك يمكننا التفاعل معه وتقديم التدريب والموارد له".
أثبتت له ليبيا أنه من الأفضل تجنب الشرق الأوسط. "لا ينبغي علينا بأي حال أن نلزم أنفسنا بحكم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، حسبما قال مؤخرًا لزميل سابق بمجلس الشيوخ. "سيكون ذلك خطًأ جوهريًا".
Subscribe to: Comments ( Atom )
محمود علي - مترجم وكاتب صحفي مصري

Follow @Moud_aly

موضوعات

تاريخ (8) سياسة (8) أدب (3) فلسفة (3) علم اجتماع (2) موسيقى (2) سفر (1) سينما (1) علم نفس (1) قصة (1)

الأكثر قراءة

  • عندما حاول جون لينون وزوجته سرقة كنوز مصر القديمة
    كنت أبحث في أمر غير ذي صلة (السياسات المصرية في سبعينات القرن الماضي)، حين تعثرت بهذه الصورة التي تجمع جون لينون، نجم فريق البيتلز الغن...
  • إبراهيم معلوف: عازف على أرباع النغمات
    26 مايو 2015 | موقع "نيويورك تايمز" أدى إبراهيم معلوف عزفًا منفردًا على آلة البوق ليلة الاثنين في "ديزيس كلو...
  • مترجم - الجاسوس الذي خدع نظام الأسد
    فيما يبدو كخيانة ناجحة للغاية، أمد ضابط كبير بجيش الأسد المتمردين المدعومين من الغرب بمعلومات استخباراتية هامة أدت إلى إيقاع خسائر فادح...
  • بورنوجرافيا: "دينا ماعندهاش بولة!"
    إن كنت(ي) تحب(ين) الاستماع إلى الموسيقى أثناء القراءة، كحالي، فأرشح لك المقطع الموسيقي الآتي: https://soundcloud.com/drixxxe- 2 /sext...
  • عقيدة أوباما: السياسة الخارجية والشرق الأوسط والربيع العربي
    ليون بانيتا (إلى اليسار) يحضر مؤتمرًا صحفيًا بشأن الاستراتيجية العسكرية في يناير 2012. انتقد بانيتا، الذي كان حينها وزير دفاع أوباما، ...
  • مترجم | فريدريك نيتشه ومعضلة احتضان الشدائد أم الهروب منها
    قصة فلسفية مؤثرة عن قيمة الفشل، قبل قرنٍ ونصف من تقديسنا الأعمى الحديث له ماريا بوبوفا - المادة الأصلية يعد الكاتب، الملح...
  • مترجَم | الرجل الذي زار جميع دول العالم
    المادة الأصلية تعليق المترجم: هذا النص لألبيرت بوديل، وهو الرجل الذي زار، حرفيًا، جميع دول العالم، ويحكي هنا عن "أصعب" تسع دو...
  • مترجم | لماذا يدعم «داعش» دونالد ترامب؟
    مات أولسن – الرئيس السابق للمركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب 7 ديسمبر 2016 | تايم المادة الأصلية يعتلي دونالد ترامب وهي...
  • تأهل تشيلي إلى كأس العالم 1974: "كان أسخف شيء في التاريخ"
    إنه العام 1973، يشارك منتخب تشيلي في التصفيات المؤهلة لكأس العالم الذي سيجرى العام المقبل في ألمانيا الغربية. إلا أن تفاصيل تأهل منتخب ...
  • من كواليس كامب ديفيد: "علشان خاطر كارتر"
    لا أود الخوض في وصف أحداث سياسية أو تاريخية، أو سرد تفاصيل ومراحل ما دار خلال 13 يوما قضاها الوفدان المصري والإسرائيلي في غابات كا...
Powered by Blogger.

أرشيف المدونة

  • ▼  2016 (10)
    • ▼  Nov (4)
      • التاريخ يخبرنا بما قد يحدث بعد البريكسيت وترامب
      • عقيدة أوباما: فوضى الشرق الأوسط والتمحور حول آسيا
      • عقيدة أوباما: السياسة الخارجية والشرق الأوسط والرب...
      • عقيدة أوباما: لماذا لم تتدخل الولايات المتحدة عسكر...
    • ►  Oct (1)
    • ►  Sept (5)
  • ►  2015 (6)
    • ►  Sept (2)
    • ►  Jun (3)
    • ►  May (1)
Copyright 2014 Mahmoud Aly's.
Designed by OddThemes