كنت أبحث في أمر غير ذي صلة (السياسات المصرية في سبعينات القرن الماضي)، حين تعثرت بهذه الصورة التي تجمع جون لينون، نجم فريق البيتلز الغنائي مع زوجته، يوكو أونو، في مصر عام 1977.
Home
Archive for
June 2015
إنه العام 1973، يشارك منتخب تشيلي في التصفيات المؤهلة لكأس العالم الذي سيجرى العام المقبل في ألمانيا الغربية. إلا أن تفاصيل تأهل منتخب تشيلي تعتبر من أغرب وأخزى وقائع تاريخ كرة القدم. اليوم 21 نوفمبر 1973، ينزل لاعبو منتخب تشيلي إلى أرض الملعب، في بلدهم، وتبدأ المباراة بلا منافس، فلا أحد غير لاعبي تشيلي في الملعب، ليحرز فرانسيسكو تشاماكو هدف تشيلي الرمزي في مباراة كانت أقرب إلى التمثيلية الهزلية.
قيل دائما إن السياسة لا مجال بها للأخلاق، ولابد أن يحمل تداخلها مع شتى جوانب الحياة نتائج مخزية.
لا نزال في العام 1973، مر على تشيلي 41 عاما تحت حكم مدني منتخب، ولكن العام سيشهد إنقلابا عسكريا مدعوما من الولايات المتحدة في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بقيادة الجنرال أوجوستو بينوشيه على الرئيس سلفادور أليندي، لتشهد البلاد حملة اعتقالات واسعة انطوت على عمليات تعذيب وتنكيل بالمعارضين.
شهد ملعب "سانتيجو الوطني" الكثير من تلك الانتهاكات، فقد جرى احتجاز ما يقارب 7 آلاف معتقل سياسي بداخله، ناهيك عن عمليات التعذيب والقتل، وهو الملعب الذي ستقام عليه مباراة التأهل إلى كأس العالم بعد أسابيع.
يفترض أن تلاعب تشيلي الاتحاد السوفيتي لتتأهل لكأس العالم في حال فوزها. جرت مباراة الذهاب في موسكو، وانتهت بتعادل سلبي أرضى الفريقين. وحان وقت مباراة العودة في تشيلي، ليصدر الكريملن الروسي، الذي عارض الانقلاب في تشيلي، أمره برفض اللعب على أرض ذلك الملعب تحديدًا قائلًا إنه "ملطخ بالدماء".
طلب الاتحاد السوفيتي خوض المباراة على ملعب آخر، ليواجه الطلب بالرفض من قبل السلطات العسكرية التشيلية، والإصرار على خوضها على ذات الملعب. بينما أصر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في موقف متواطئ مع الحكومة التشيلية على لعب المبارة دون تغيير الملعب، بعد أن كذب جميع التقارير الصحافية وأرسل بعثة تفتيش إلى الملعب، لتجد البعثة أن المعتقلين – بالتأكيد – قد اختفوا.
كان جورج مونتيالجري أحد معتقلي الاستاد، حيث كان عمره آنذاك 19 عاما. قال مونتيالجري إنه في يوم زيارة بعثة الفيفا إلى الاستاد تم إبقاءه، مع بقية المعتقلين، هادئين تحت تهديد السلاح. "احتجزونا في الأسفل، مختفين في غرف خلع الملابس وفي الممرات"، "تم إبقاءنا في الداخل، بسبب مرافقة صحفيين لمسؤولي الفيفا .. كان الأمر كأننا في عالمين مختلفين"حسبما وصف مونتيالجري يوم الزيارة. وبشكل ما، لم يرى ممثلو الفيفا أي من المعتقلين. فأعلن الاتحاد الدولي أن المبارة ستقام، بوجود المنتخب السوفيتي أو بدونه.
فيقرر الاتحاد السوفيتي على إثر ذلك عدم خوض المباراة، ويقرر الفيفا اعتبار المنتخب السوفيتي منسحبًا، إلا أنه أصر على عقد المباراة، وإن كان ذلك بصورة هزلية أكثر منها رمزية.
عقدت المبارة بمشاركة فريق واحد، ليحرز المنتخب التشيلي هدفًا أهله للمشاركة في كأس العالم، وسط جمهور وصل عدده إلى 15 ألف متفرج، في إستاد يتسع لـ80 ألف متفرج، كان أغلبهم من أقارب ضحايا القتل والاعتقال الذين حرصوا على دخول الاستاد أملا في الوصول إلى ذويهم.
كان البطل الكروي التشيلي كارلوس كاسيلي أحد لاعبي تشيلي في تلك المبارة. قال كاسيلي: "فعل ذلك الفريق أسخف شيء في التاريخ. مثل الأمر إحراجًا عالميًا". جدير بالذكر أن والدة كاسيلي تم احتجازها وتعذيبها في ذلك الملعب، حسبما اتضح لاحقا.
"شعرت برجفة باردة تتملك أسفل عنقي عند رؤية ذلك الشيء الشبيه بهتلر، وكان وراءه خمسة رجال .. عندما بدأ في الاقتراب مني وضعت يدي خلف ظهري ورفضت أن أمدها إليه"، هكذا وصف كاسيلي مقابلته الأولى مع الديكتاتور بينوشيه، وكان ذلك في يونيو 1974، عندما جمع بينوشيه الفريق لوداعه قبل السفر إلى ألمانيا.
قبل أيام قليلة من المبارة، تم ترحيل مونتيالجري مع أقرانه من المعتقلين إلى الشمال بعيدا عن الأعين، إلى صحراء أتاكاما.
رفضت أي قناة تلفزيونية إذاعة مباراة اعتزال كاسيلي، عام 1985، جزئيا لأنهم علموا أنها ستتحول إلى مظاهرة، وهو ما حدث بالفعل، بل إنها كانت واحدة من أولى التجمعات الواسعة لخصوم نظام بينوشيه. بعد ثلاث سنوات، عام 1988، صوت الشعب التشيلي ضد فترة انتخابية جديدة لبينوشيه، لينتخبوا بعدها بعام رئيسًا جديدًا بشكل ديمقراطي.
مصادر:
لا أود الخوض في وصف أحداث سياسية أو تاريخية، أو سرد تفاصيل ومراحل ما دار خلال 13 يوما قضاها الوفدان المصري والإسرائيلي في غابات كامب ديفيد، بل أحاول تسليط الضوء على بعض المشاهد التي دارت أحداثها إبان توقيع الاتفاقية، مظهرًا نفسيات اللاعبين والعوامل التي أثرت عليهم.
يستطلع الكاتب لورانس رايت، في كتابه
"ثلاثة أيام في سبتمبر"، ما دار في كواليس إحدى العلامات التاريخية التي
نمى على أساسها الوضع الحالي للشرق الأوسط، وتحديداً العلاقة بين مصر بشكل خاص،
والعرب بشكل أعم، والكيان الإسرائيلي المحتل.
لم يقتصر تركيز رايت على الجوانب والأبعاد
السياسية، بل تعمق إلى وصف النفسيات والصراعات الداخلية التي أثرت على أعضاء الفريقين، وعلى الطرف
الوسيط راعي الاتفاق، الولايات المتحدة الأمريكية. حيث ينسب رايت جذور الصراع إلى
طبيعة دينية بحتة، فكارتر، بيجن والسادات "تقويهم دياناتهم وتثقلهم أيضًا".
إلا أن ثلاثتهم قد تمكنوا من حل صراع عتيق، أو حله بشكل جزئي على الأقل، ولمدة
أجيال، لدرجة صمود المعاهدة في منطقة مزقتها الصراعات بين أبناء الوطن الواحد، بل
وأبناء الدين الواحد.
يستكشف رايت السمات الشخصية للأطراف
المشاركة، معتمدًا على كتاب الإحاطة الذي قدمته الاستخبارات الأمريكية للرئيس
كارتر، فكان السادات "متبصرًا"، حيث رأى نفسه "مفكرًا إستراتيجيًا
كبيرًا يحترق كمذنب عبر سماوات
التاريخ"، كما فتن السادات بالأفكار والإشارات الكبيرة، فلم يكن "مباليًا
بالتفاصيل التافهة". بينما ركز بيجن اهتمامه على أصغر العلامات المميزة، وهو
المحامي الماهر. أحب السادات الملابس الملونة، بينما امتلك بيجن بدلتين فضفاضتين
رثتين عندما سافر إلى واشنطن لأول مرة. ولما كان السادات مدفوعًا بحلم إعادة كتابة
الماضي، كان بيجن غارقًا في الماضي، حيث مال للتأكيد على "المعضلة المأساوية
للتاريخ اليهودي"، التي أثقلته بشدة.
لم يتسنى للديموقراطي كارتر مقابلة عربي من
قبل، سوى عند جلوسه إلى جانب أحدهم في مراهنة سباق سيارات بدايتونا، كما أنه عرف
يهوديًا واحدًا في طفولته، هو عمه لويس. استمد كارتر تصوره للشرق الأوسط من دراسة الكتاب
المقدس، لدرجة أن "جغرافيا فلسطين القديمة كانت مألوفة لديه ... أكثر من معظم
الولايات المتحدة". عندما وصل كارتر إلى البيت الأبيض عام 1977، أعطى
الأولوية إلى السلام في الشرق الأوسط، واعتقد أن "الرب أراد له أن يجلب السلام"،
إلا أن ذلك أدى، على الجانب الآخر، إلى هبوط اقتصاد الولايات المتحدة، لتهبط معه
أصوات المؤيدين.
شمل الوفد الإسرائيلي من يعتبرونه بطلًا في
الكيان المحتل موشيه ديان، ونجم سلاح الطيران الإسرائيلي عيزر فيتسمان، وهما اثنان
من قدامى المحاربين المتصلبين، إلا أنهما كانا أكثر انفتاحًا تجاه المعاهدة من
رئيس وزرائهما. بينما أرسل المصريون وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل، والأرستقراطي
القبطي بطرس بطرس غالي، الذين قضيا وقتًا في تكهن الحالة المزاجية لرئيسهما،
مماثلا للوقت الذي قضياه في تأمل الموقف الإسرائيلي.
استمد السادات قوته أيضًا من حسن التهامي،
وكيل المخابرات الأسبق، الذي كان له دور "المنجم، مهرج القصر والمعلم
الروحي" للسادات، حيث تفاخر التهامي بقدرته على مغادرة جسده والسفر خارج
العالم المادي. جدير بالذكر أن التهامي قد قضى الكثير من وقته في كامب ديفيد محاولا
إقناع بطرس بطرس غالي بالإسلام.
إلا أن التهامي لعب دورًا هامًا في تدشين
المفاوضات، وإن كان ذلك بناء على تقارير استخبارتية خاطئة، فبعد لقاء سري جمع بينه
وبين بيجن في المغرب عام 1977، بترتيب من الملك حسين الثاني، قال التهامي للسادات
إن بيجن قد خطط للانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد عام 1967 – وهو
تقرير خاطئ شجع السادات على السفر إلى القدس. أي أنه من الوارد أن تكون عملية
السلام في الشرق الأوسط خاضعة لسوء فهم رجل مجنون، حسبما يعلق رايت.
استهل السادات المفاوضات في غابات كامب
ديفيد بموقف متشدد، حتى يسكت أعضاء فريقه في البداية، ثم ينتقل إلى مواقف أكثر
اعتدالًا، لدرجة أنه قال لكارتر في اليوم الأول إنه مادامت إسرائيل ستنسحب من
سيناء، يستطيع كارتر أن يتفاوض عنه على بقية الشروط. وفي المقابل، قدم بيجن مشروعا
متشددًا للغاية منذ البداية وظل متمسكًا به، حتى فيما يتعلق بالانسحاب من سيناء.
مما يصعب إخفاؤه أن السادات كان الطرف
الأضعف في المفاوضات، فلاحقًا وبعد أشهر من توقيع المعاهدة وأمام المماطلة في
تنفيذ البنود كان الحل أمام كارتر متمثلًا دائما في الضغط على السادات لتقديم
تنازلات، وهو ما نجح فيه بالفعل.
تبنى كارتر دورين في كامب ديفيد، فبعد أن
كان "مستشارًا"، وأمام تعنت الطرفين وعنادهما، تبنى كارتر دور "المحفز"،
ناويًا إصدار اقتراحات، أو تهديدات بالنيابة عن الولايات المتحدة، إن كان ذلك
ضروريًا.
في مواجهة تعنت بيجن، قرر السادات في يوم
الجمعة 19 سبتمبر الانسحاب من القمة، كوسيلة كان قد خطط لها مسبقًا للضغط على
كارتر للقبول بشروطه، فكان رد كارتر على السادات أن انسحابه سيعني انتهاء العلاقة
بين الولايات المتحدة ومصر، وكذلك انتهاء علاقتهما الشخصية، فآثر السادات البقاء،
ببساطة. ليقضي الاثنان تلك الليلة في مشاهدة مباراة محمد علي كلاي سويًا.
كما يرصد بطرس بطرس غالي، الذي دعم موقف
الرئيس السادات حتى النهاية، في مذكراته ما وصفه بـ"ظاهرة "علشان خاطر
كارتر""، حيث كان رد السادات كلما تعارض أحد الشروط مع رأي بعض أعضاء
الوفد المصري، "علشان خاطر كارتر".
يجدر ذكر أحد المواقف التي أظهرت طبيعة
الشخصية التي حملها السادات خلال المفاوضات، فأثناء مؤتمر توقيع معاهدة كامب
ديفيد، قال بيجن معلقًا على التوقيع ومراحل التفاوض: "لقد بذلنا في سبيل
توقيع الاتفاقية جهودًا أكبر من التي بذلها أجدادنا في بناء الأهرامات في
مصر". فضحك الجميع، وقهقه السادات محييًا بيجن.
مصادر:
Subscribe to:
Posts
(
Atom
)